موقع الشيخ طلاي

Menu

من كتاب كليلة ودمنة

جلسة يوم  27/05/2009 الموافق لـ 3 جمادى الثاني 1430هـ

السادة الحضور، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جلستنا الليلة ستكون معطوفة على الجلستين الأدبيتين السابقتين، وهي أيضا من الأدب الرمزي.

اخترتُ نصّا من كليلة ودمنة، يصف ما يقع بين أنصار السلطان وأعوانه، من مراعاة مصلحة بعضهم بعضًا،و في القصّة الرمزية عِبَرٌ ومواعظ، والعاقل من اتّعظ بغيره.

«زعموا أنّ أسدًا كان يعيش مع ذئبٍ وابن آوى، وغراب، وجمل. وذات يومٍ توجّه الأسدُ في طلب الصيدِ فلقيَ فيلاً فقاتله حتّى أُثخن بالجراح وعَجَزَ عن الصيدِ، ولم يعُد الذئبُ وابن آوى والغراب يجدون ما كانوا يقتاتون به من بقايا طعامِ الأسد ذلك، فقال لهم: وإن استطعتم فانتشروا فعسى أن تصيدوا صيدًا، ولعلّي أُكْسِبُكُم ونفسي خيرًا، فخرج الذئبُ والغرابُ وابنُ آوى وتَنَحَّوْا ناحيةً وائْتمروا بينهم وقالوا: ما لنا ولهذا الجمل الذي ليس شأنُه شأنَنا، فإن أغرينا الأسدَ بأكله فإنّه سيأكله ويطعمنا من لحمه، فدخل الغرابُ على الأسد وقال له: لقد اتّفق رأينا على أمرٍ إن وافقْتَنا عليه فنحن مُخْصبون، فقال الأسد: ما ذلك الأمر؟

فقال الغرابُ: هذا الجمل الآكلُ العشبَ، المتمرّغ بيننا بغير صنعة…

فغضب الأسدُ وقال: ويلكَ ألم تعلم أنّي أَمَّنْتُ الجملَ وجعلت له ذمّة؟

فقال الغراب: إنّي لأعرفُ ما قال الملك، ولكنّي جاعلٌ للملك من ذمّته مخرجًا فلا يتولّى غدرًا، فسكت الأسدُ…وخرج الغراب إلى الذئب وابن آوى وقال لهما: الرأيُ عندي أن نجتمعَ بالأسد، ونذكر حالَه وما أصابَه من الجوعِ، ونقول: لقد كان إلينا محسنا، فإن صَعَبَ عليه الصيدَ اليوم فلقد كان بالأمس شديد البطشِ كثير الرزق، وإن لم يرَ منّا اليوم خيرًا أنزل ذلك منّا على لؤمِ الأخلاق، وقد احتاج إلى شكرنا ووفائنا، وإنّا لو كنّا نقدر له على فائدة لم ندّخر ذلك عنه، فإن لم نقدر على ذلك فأنفسُنا له مبذولة.

ففعلوا ذلك ودعَوا الجمل إلى نادي الأسد.

فقال الغرابُ: إنّك احتجتَ أيّها الملك إلى ما يقيمُكَ، فإن أنتَ هلكتَ فليس لأحد بعدك بقاء، ونحن أحقّ أن تطيبَ أنفسَنا لك.

فأجابه الآخرون: اسكُتْ ما في أَكلك شَبَعٌ للأسد.

وقال ابن آوى: أنا مُشْبِعٌ الملك.

فقال الذئبُ والجمل والغرابُ: أنت خبيثُ اللحمِ.

قال الذئبُ: لكنّي لستُ كذلك، فليأكلني الملك.

قال الآخرون: لقد قال الأطبّاءُ: من أراد قتلَ نفسه فليأكل لحم الذئبِ.

وظنّ الجمل إن قال مثلَ ذلك يلتمسون له مخرَجًا كما صنعوا بأنفسهم، فقال: لكنّ أيّها الملك لحمي طيّب، وفيه شبَعٌ للملك.

فقال الذئبُ والغراب وابن آوى: صدقْتَ وتكرّمتَ فوثبوا عليه فمزّقوه.

عن عبد الله بن المقفّع، كليلة ودمنة

Categories:   ندوة الإربعاء

Comments

Sorry, comments are closed for this item.