موقع الشيخ طلاي

Menu

مذكرات دجاجة – الحلقة الثانية

جلسة يوم  20/05/2009 الموافق لـ 26 جمادى الأولى 1430هـ

أيّها السادة الحضور، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

سيكون حديثنا في هذه الأمسية المباركة بحول الله في إطار الأدب وفنيّة الحديث وحِذق الحوار.

وقد قال عليه السلام: «إنّ من البيان لسحر.». ويبدو لي أنّكم أيّها السادة قد أعجبتكم الجلسة الماضية التي تطرّقنا فيها إلى جانب من الأدب، وهو الأدب الرمزي.

كما يظهر لي أنّه قد أعجبتكم ما سطّرته الدجاجة الحكيمة في مذكّراتها، وما دعت إليه ضمن ما سطّرته من العناية بالأمّ الحامل، والتخفيف عمّا تعانيه من الآلام النفسية والجسمية عند القيام برسالتها التي رشّحها اللهُ لها.

وفي جلستنا هذه سنتناول فصلا آخر من مذكّرات هذه الدجاجة الحكيمة، يتحدّث عن الفروقات الطبيعية بين الأجيال المتعاقبة، فليس من الحكمة في شيء أن يُجبر الآباءُ الأبناءَ على ما نشأوا عليه، كما أنّه ليس من الحكمة أن يستهتر الأبناء بما تربّى عليه الآباءُ، ولا يستفيدوا بتجربة الآباء.

فالحياة مبنية على التجربة وحذف الأخطاء، وما بين الأجيال تواصل وتفاهم لا تقاطع وتنابذ.

والحوار في الموضوع أقامته الدجاجة بين متفتّح ومنغلق، فإليكم النصّ.

«[قالت الحكيمة]: تركتُ الأولادَ وحْدَهم يستمتعون بنعيم الحريّة، وفضيلة الاعتماد على النفس، ولذّةِ البحث عن الطعام، وحينما عُدتُ إلى الساحة رأيتُ الأترابَ يجْلسْنَ مُكْتئبات، ما كِدْتُ أصلُ إلى مقامِهِنَّ حتّى بادرتْني إحداهنَّ بقولها: أيّتها الأختُ كيف أَبَحْتِ لهؤلاءِ الصغار الخروج من المأوى ؟

قلتُ: إنّهم ما عادوا صغارا، وهذا أوانُ خروجهم للسعيِ في طلب الرزق.

فقالت ثانية: لقد عشنا في هذه الديار طويلاً دون أن نتعدّى الجدار، فماذا جَدّ اليوم حتّى يُخالَف العُرف، ويُثارُ على النظام؟

وهممتُ أن أجيبَ، وإذا بتِرْبي ذاتِ الأجنحة تفتحُ فمَها فأمسكتُ قصْدَ أن أعرف رأيَها، ولكنّها بدَلَ أن تتكلَّمَ أخذتْ تضحكُ ضحْكًا عاليا، يُشبه ضحْكَها يوْمَ تَصارَعَ ولداها. فغاظني عملُها، ولم أخْشَ قطْعَ ضحكها، فقلتُ للتِّرْبَيْنِ: إنّكما تسْأَلانِ عمّا جَدَّ حتّى يُخالَف العُرف. لقد جَدَّ الشبابُ وجَدَّ الجوعُ، وواحدٌ منهما خليقٌ أنْ يدفَعَ بالمخلوقِ إلى العمل، فكيفَ وقد اجتمعا؟

فقالتْ إحداهنّ: مِثْلُكِ أيّتُها الأخت مَنْ يتذرّع بالصبر أيَّامَ تشْتدُّ الأمور، فكيف الآن صبركِ؟

قلت: إنّ أولادَنا يعيشون لزمنٍ غيرِ زماننا هذا، وسَيَجِدُّ غدا من الظروف والأحوالِ ما يدعو أن يكونوا على أتَمِّ استعداد لمواجهتها بعزائمَ قويَّةٍ وقلوبٍ لا تعرِف الاستسلام.

فقالت تِرْبي ذات الوجه الغريبِ: صدقتِ والله أيّتها الأختُ العزيزةُ، إنَّ مَنْ ينشأُ على الاستسلام والاستخذاءِ يشِبُّ عليهما وقد بَلوْتُ شرّ ذلك في أسرتي قبلَ أنْ آتي إلى هنا، فقد رأيتُ الجيل الجديد يَقْفو أثَر الجيل القديم…وما رأيتُ مَن يُفكِّرُ في الخروج على المألوفِ فساءَ حالُنا، ومنذ التجأْتُ إلى مأواكنَّ، واكتشَفْتُ أسرارَكُنَّ، وتتبَّعْتُ ما يجري كلَّ يومٍ، صرتُ أعتقدُ أنّ كلمة الخير شجرة مباركة لابُدّ مِن أن تُنتِج عاجلا أو آجلاً، وأنّ حياة الركودِ والاستسلام حَيْنٌ لا يُقيم عليه إلاّ الأرذلون مِن المخلوقات.».

(عن إسحاق موسى الحسيني، مذكّرات دجاجة)

Categories:   ندوة الإربعاء

Comments

Sorry, comments are closed for this item.