موقع الشيخ طلاي

Menu

قصة أدبية

جلسة يوم 21/01/2009 الموافق ليوم 25 محرّم 1430هـ

إخواني الأساتذة، السادة الحضور السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

في جلستنا هذه اخترت أن أعرض على مسامعكم الشريفة قصّة أدبية بل أقصوصة (قصّة صغيرة).

قلت أدبية، لأنّها تشتمل على جميع الجوانب الفنيّة في الكتابة الأدبية.

o من ناحية اللغة واختيار العبارات الفنيّة والأسلوب الجزل الفصيح.

o ومن ناحية الفكاهة والنكت الأدبية الداعية إلى الضحك والتندّر.

o ومن ناحية التصوير والوصف الرائع لسلوكات بعض الناس ومواقفهم إزّاء ما يعترضهم من الأحداث.

ولا عجب أن تشتمل هذه الأقصوصة على كلّ هذه الجوانب الفنيّة وغيرها ممّا لم أذكره، فهي من مُدَبّجات يراع شيخ الكتّاب وعميدهم في تلك العهود (العهد العبّاسي الأوّل) عمرو بن بحر الجاحظ، وما أدراك من هو الجاحظ.

هذا ونعلم أنّ الجاحظ قد تفنّن في إخراج هذه الحادثة وصيغتها، سواء كانت ممّا اختلقه وتصوّره أو ممّا هو يحدث في واقع الحياة (أعني قصّة واقعية).

ولا نملك أنفسنا أن نمرّ على هذه القصّة الفكاهية دون أن نسأل أنفسنا الأسئلة الآتية:

1. ما الصفات التي يَتّسِمُ بها بطل هذه القصّة ؟

2. هل صرّح الجاحظ بتلك الصفات ؟ وكيف أظهرها ؟

3. ما الهدف والقصد الذي يرمي إليه من كتابة هذه الحادثة ؟

إليكم القصّة

كان بالبصرة شيخ من بني نهشل يُقال له عروة بم مَرْثِدْ، نزل في بني أخت في سكّة بني مازن، وبنو أخته من فريس.

فخرج رجالُهم إلى ضياعهم وذلك في شهر رمضان، وذهبت النساء يصَلّيْن في مسجدهم.

فلم يبق في الدار إلاّ كلْبٌ يَعُسّ، فرأى بيتا فدخل وانْصَفَقَ الباب (أي انغلق).

فسمع الحركة بعض الإماء فظنّوا أن لِصًّا دخل الدار، فذهبت إحداهنّ إلى أبي الأعزّ، وليس في الحيّ رجلٌ غيرَه، فأخبرتهُ فقال أبو الأعزّ (كنية هذا الضيف): «وما يبغي اللصّ منّا ؟».

ثمّ أخذ عصاه وجاء حتّى وقف على باب البيت فقال:

إيهْ يا مَلْأَمان (مبالغة في اللؤم).

أمَا والله إنّك بي لَعارفٌ، وإنّي بك أيضًا لعَارفٌ.

فهل أنتَ إلاّ من لُصوصِ بني مازن، شرِبْتَ حَامِضًا خبيثًا حتّى إذا دارت الأقداحُ في رأسِكَ مَنَّتكَ نفسُكَ الأماني، وقلتَ: دورَ بني عمرو والرجال خلوف (أي تأخّروا في الرجوع إلى الحيّ)، والنساء يُصلِّينَ في مسجدهنّ فأَسْرِقُهُنَّ !

سَوْءَةٌ واللهِ، ما يَفعَلُ هذا الأحرار !!

فاخرُجْ، وإلاَّ دخَلتُ عليكَ فَصَرَمتْكَ منّي العقوبة (عاقبتك عقابا صارمًا قاسيا).

لَأَيْمُ اللهِ، لتخرُجَنَّ أو لأهْتِفَنَّ هَتْفَةً مَشْئومَةً عليكَ يَلْتَقي فيها الحَيَّانِ، عمرو حَنْظَلَة، ويَصيرُ أَمْرُكَ إلى تَبَابٍ.

فلمّا رأى أنّه لا يُجيبُه، أخذ باللَّيْنِ فقال:

اخْرُجْ يا بُنَيَّ وأنت مَسْتور، إنّي واللهِ ما أراكَ تعرفُني، أنا عروة بن مرثِد، أبو الأعزّ، وأنا خالُ القومِ، وجِلْدَةُ ما بين أعيُنِهِم (أي عزيز مكرّم في أعينهم)، لا يعصونني في أمرٍ، فاخْرُجْ فأنتَ في ذِمَّتي، لا تُضارُّ، ثمّ سكتَ وقال:

وإلاّ فإنّ عندي قَوْصَرِيَّتَيْنِ، إحداهما إلى ابن أختي البارِّ، فخُذْ إحداهما فانْتَبِذْها (أي تملّكْها) حلالاً من الله تعالى ورسُولِهِ.

وكان الكلبُ إذا سمِعَ الكلاَمَ أَطْرَقَ، وإذا سَكَتَ وَثَبَ يُزِيغُ المخْرَجَ (أي يبحثُ عن المخرج).

فَتَهافَتَ الأعْرابِيُّ (أي تساقط)، ثمّ قال:

يا أَلْأَمَ الناسِ إنّا معك هذه الليلة في وادٍ وأنتَ في وادٍ !

إذا قلتُ لكَ السوداءَ والبيضاءَ تَسْكُتُ وتُطْرِقُ، فإذا سَكَتُّ عنكَ تزيغُ المخْرَجَ ! !

واللهِ لَتَخْرُجَنَّ بالعَفْوِ عنكَ، أو لَأَلِجَنَّ عليكَ البيتَ بالعقوبة.

فلمّا طالَ وُقوفُهُ جاءتْ جارية من إماءِ الحيِّ، فقالت: أَعْرابِيٌّ مَجْنونٌ ! ! واللهِ ما أرى في البيتِ شيئًا.

فدفعت البابَ فخرج الكلب شدًّا، وحاد عنه أبو الأعَزّ مُسْتلْقِيًّا، وقال:

الحمد لله الذي مسخك كلبًا وكفاني منك حربًا،

ثمّ قال: تاللهِ ما رأيتُ كالليلة ! ما أراه إلاّ كلبًا.

Categories:   ندوة الإربعاء

Comments

Sorry, comments are closed for this item.