موقع الشيخ طلاي

Menu

رسالة عمر في القضاء

جلسة يوم  23/02/2011م الموافق ليوم 20 ربيع الأوّل 1432هـ

أيّها السادة الحضور، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إطلالتنا الليلة ستكون على نصّ من أهمّ النصوص وأعلاها في الثقافة الإسلامية، وهو من دعائم وركائز الحضارة الإسلامية والإنسانية معًا.

النصّ عبارة عن رسالة وجّهها الخليفة العادل والصحابيّ الحكيم المجسِّم للتعاليم الإسلامية والمبادئ الإنسانية التي جاء بها الإسلام ودعا إليها رسول الله r.

هذه الرسالة بعثها عمر بن الخطّاب t إلى صحابيّ جليل ووالٍ من ولاته على إقليم اليمن أبو موسى الأشعري، يبيّن فيها عمر t ويذكِّره بالمبادئ والقواعد العامّة التي يجب عليه مراعاتُها واتّباعها عند الحكم والقضاء بين الناس، ويُحذّره كذلك من التجاوزات والانزلاقات التي يقع فيها كثير من الحكّام والقضاة تكون وَبَالاً عليه في الدنيا قبل الآخرة.

والنصّ معروف برسالة عمر في القضاء، وهي مذكورة في كثير من المراجع، ونقتبسها نحن من الكتاب الهامّ والضخم المشتمل على 6 أجزاء في مختلف فروع الثقافة الإسلامية، المعروف بـ العقد الفريد لابن عبد ربّه الأندلسي.

ولعلّكم تتساءلون عن الرياح التي دفعتني إلى الرجوع لهذا الكتاب في أيامنا هذه التي تعدّدت فيها الاهتمامات وتبلبلت الأفكار، واختلفت الاتّجاهات، وتذمّرت فيها الشعوب من حكّامها ومسيّريها، وفقد المجتمع العربي بالخصوص الثقة والحكمة فيما يفعل وما يترك، وأصبح  لا يفرّق بين الحقّ والباطل، والحسن والسيّئ، والانضباط والفوضى.

ولا أخالكم أنّكم ستجدون بعض الجواب عن هذا التساؤل وهذا الدافع الذي دفعني إلى تذكيركم بهذه الرسالة.

العقد الفريد، ج1، ص 86 – 89:

«وكتب عمر بن الخطّاب t إلى أبي موسى الأشعري، رواها ابن عيينة:

أمّا بعد، فإنَّ القضاءَ فريضةٌ مُحْكَمَةٌ وسُنَّةٌ متَّبَعةٌ، فافْهم إذا أدْلى إليك الخصمُ، فإنّه لا ينفعُ تكلُّمٌ بحقٍّ لا نَفَاذَ له، آسِ بين الناسِ في مجلسك ووجهك، حتّى لا يطمعَ شريفٌ في حيْفِكَ، ولا يخافُ ضعيفٌ من جوْرِك، البيّنةُ على من ادّعى واليمين على مَن أَنْكَرَ، والصُّلْحُ جائزٌ بين المسلمين، إلاّ صُلْحًا أحلَّ حراما أو حرّم حلالا. ولا يَمْنَعْكَ قضاءٌ قضيتَه بالأمس ثمّ راجعْتَ فيه نفسَكَ، وهُديْتَ فيه لرشدك أن ترجع عنه، فإنّ الحقَّ قديمٌ والرجوع إليه خير من التمادي على الباطل.

الفهم الفهم فيما يَتَلَجْلَجُ في صدرك ممّا لم يُبْلِغْكَ به كتاب الله ولا سُنّة نبيّه r، واعرفْ الأمثال والأشباه وقِسْ الأمور عند ذلك، ثمّ اعْمِد إلى أحبّها إلى الله ورسوله وأشبهها بالحقّ، واجعل للمدّعي أمدًا ينتهي إليه، فإن أحضر بيّنةً أخذتَه بحقّه وإلاّ وجّهت عليه القضاء…ثمّ إياك والتأذّي بالناس والتنكّر للخصوم في مواطن الحقوق التي يوجب الله عزّ وجلّ بها الأجر ويحسن بها الذخْر، فإنّه مَن تخلُصُ نيتُه فيما بينه وبين الله -ولو على نفسه- يكفيه الله ما بينه وبين الناس، ومَن تزيّن للناس بما يعلمُ الله خلافه منه هتك الله سِتْرَه.».

وفي رسالة له أخرى إلى أبي موسى الأشعري يقول رضي الله عنه:

«أمّا بعد، فإنّ للناس نفرة عن سلطانهم، فاحذر أن تُدركني وإيّاك عَمْياءُ مجهولة، وضغائن محمولة، وأهواءٌ متّبَعَة، ودنيا مؤثرة. أَقِم الحدود، واجلس للمظالم ولو ساعة من النهار، وأخِفِ الفسّاق واجعلهم يدًا يدًا ورِجْلاً رِجْلاً…وعُدْ مرْضى المسلمين، واشهد جنائزَهم، وباشر أمورهم بنفسك، وافتح لهم بابَك، فإنّما أنت رجلٌ منهم، غيرَ أنّ الله قد جعلكَ أثقلهم حِمْلاً.

وقد بلغَ أميرَ المؤمنين أنّه فشت لك ولأهْل بيتكَ هيئَةٌ في لباسك ومَطْعمك ومركبك ليس للمسلمين مثلُها، فإياك يا عبد الله أن تكون كالبهيمة، همُّها في السِّمن والسِّمن حَتْفُها. واعلم أنّ العامل إذا زاغ زاغت رعيّته، وأشقى الناس من يشقى به الناس، والسلام.».

Categories:   ندوة الإربعاء

Comments

Sorry, comments are closed for this item.