موقع الشيخ طلاي

Menu

البهلول

الجلسة الخامسة: 08/02/2012م الموافق ليوم 17 ربيع الأوّل 1433هـ

أيّها السادة الحضور السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إطلالتنا هذه الليلة ستكون من كتاب الأنيس لسمير شيخي، ص472.

تحدّث عن موقف أحد الزهّاد، وغالب الذين يخشون حساب ربّهم في يوم لا ينفع فيه مالٌ ولا بَنون إلاّ مَن أتى الله بقلب سليم؛ يوم تُوفَّى كلُّ نفس ما كسبت وهم لا يُظلَمون،

وذلك عندما انحرفت الخلافة الإسلامية بعد الخلفاء الراشدين، وأصبحت مُلْكًا عَضودًا يمنح ويمالئ مَن شاء ويمنع مَن يشاء، ويعاقب مَن يشاء، ويسكت عمّن يشاء. فوجد هؤلاء الذين يخافون عقاب الله أنفسهم بين المطرقة والسندان، كما يُقال، وخاصّة إذا دُعي الواحد منهم لتولّي ديوان المظالم أي القضاء، وقد قال تعالى: (وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنَ اَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ).

والملاحَظ أنّ سلطة القضاء في تلك العهود ليست مستقلّة عن ديوان الملِك، كما يُقال عنها الآن،

فسَلَكَ هؤلاء مناهج وحيَل للتملّس من الشبكة.

والمتحدَّث عنه تظاهر بالجنون والقيام بأعمال شاذّة ممّا لا يتناسب أبدًا مع مكانة القاضي وقدره بين الناس.

«كان البهلول من أظرف الأشخاص في التاريخ العربي، تُروى له أقوال رائعة في الأدب والوعظ والنوادر. واختلف الناسُ في أمره، هل كان مجنونا أم يتظاهر بالجنون؟ وقد أحبّه الناسُ واشتهر زهده وعلمه وأدبه. فطلبه هارون الرشيد وعرض عليه منصب قاضٍ، فاعتذر بأنّه لن يستطيع الجمْع بين العدل في القضاء ومرضاة الحاكمين. فهدّده الرشيد وأراد إرغامه على القبول، فطلب مهلة يومين ليتدبّر أمره. وفي الغد طلع البهلول في أزقّة بغداد مُمَزَّق الثياب، راكبا على قصبة يجري بها ويصيح: أفسحوا الطريق لا يَرْمَحُكُم فرسي.

وبلغ الرشيد قولُ الناس: جُنّ البهلول، فقال: والله ما جُنّ بل هرب منّا.

ثمّ إنّ الرشيد خرج إلى الحجّ فمرّ بالكوفة، ورأى بهلولاً يعدو على قصبة وخلْفه الصبيان، فقال: كنتُ أشتهي أن أراه فأدعوه من دون ترويع.

ولمّا مثل بين يديه قال له: يا بهلول، كنتُ مشتاقًا إليك، فأجاب: أمّا أنا فلم أشتق إليك، قال الرشيد: عِظْني، فأجاب: بِمَ أعظُك؟ هذه قصورهم، وهذه قبورهم. مَن أعطاه الله مالاً وجمالا وواسى بماله كُتب في ديوان الأبرار !

قال الرشيد: قد أمرنا بوفاء ديونك إن كانت لك ديون. فأجاب بهلول: لا، لا يوفَّى ديْن بديْن. ردّ الحقّ إلى ذويه، واقضِ ديْن نفسك.

قال الرشيد: هل لك حاجة؟ فأجابه بهلول: أنا وأنت عيال الله، فمحال أن يذكرك وينساني. قال هذا، وركب قصبته وجرى.

ثمّ أنّ الخليفة موسى الهادي دعا بهلولا مع أديب آخر، فجعل يسامرهما. فلمّا أسمعاه شيئا من نوادرهما ضحك طويلا، ثمّ سأل البهلول: لماذا دُعيْت بُهلولا؟ فأجابه: لماذا دُعيْت موسى؟ فغضب الهادي وسبّه سبًّا شنيعًا. فنظر بهلول إلى صاحبه، وقال: كنّا مجنونيْن فصرنا ثلاثة، فضحك الخليفة وعفا عنه.

Categories:   ندوة الإربعاء

Comments

Sorry, comments are closed for this item.