سيرة ابن هشام – فتح مكة
الجلسة السادسة:18فيفري2015م الموافق ليوم: 28ربيع الثاني1436هـ
أيّها الإخوة الكرام، أيّها الأساتذة محبّي الثقافة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
جلستنا في هذه الأمسية المباركة وإطلالتنا ستكون من كتاب “السيرة النبوية” لابن هشام، الجزء 4، ص46-47.
يتحدّث في هذه الفقرة عن عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فتح مكّة، وهذا عمل عظيم وفتح جسيم، لأنّ في فتح مكّة القضاء على المعارضة التي تزعّمها وحمل ثقلها كفّار مكّة، وخاصّة قبيلة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إلاّ أنّ رسول صلى الله عليه وسلم يريده فتحا أبيض كما يقولون، لا فتحًا تُراق فيه الدماء، وتُزهق فيه الأرواح ولو عن حقّ وعدل.
ورأى عليه السلام من الواجب أن يخفي اتّجاهه ومقصده، واكتفى بأمر الصحابة الكرام بالتجهيز والإعداد للسفر، لأنّه يعلم عليه السلام أنّ قريشا إذا علمت بمقدمه سوف لا تسكت عن ذلك ولو كلّفها ما كلّف.
وممّا يؤسف له -كما يقولون- أنّ أحد الصحابة كتب رسالة لأهل مكّة يخبرهم بقدوم رسول الله إليهم.وما فعل هذا الصحابي جريمة كبيرة وخيانة عظمى، عقابها الإعدام حسب عرف الجيوش المقاتلة.
وإليكم كيف تصرّف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع هذه الخيانة. يقول صاحب الكتاب:
«لـمّا أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسيرَ إلى مكّة، كتب حاطبُ بن أبي بَلْتعة كتابا إلى قريش يُخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في المسير إليهم، ثمّ أعطاه امرأةً…وجعل لها جُعلا على أن تبلّغه قريشا، فجعلته في رأسها، ثمّ فَتلتْ عليه قُرونها، ثمّ خرجت به؛ وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبرُ من السماء بما صَنع حاطب، فبعث عليّ بن أبي طالب والزبيرَ بن العوّام رضي الله عنهما، فقال: أدْركا امرأة قد كتب معها حاطبُ بن أبي بَلْتعة بكتاب إلى قريش، يحذّرهم ما قد أجْمعنا لهفي أمرهم. فخرجا حتّى أدركاها بالخليقة، خليقة بن أبي أحمد، فاستنزلاها، فالتمسا في رَحلها، فلم يجدا شيئا، فقال لها عليّ بن أبي طالب: إنّي أحلف بالله ما كُذب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ولا كُذِبْنا، ولتُخرِجنَّ لنا هذا الكتابَ أو لنكشفنَّكِ. فلمّا رأت الجِدّ منه، قالت: أعرِض، فأعرض، فحلّت قُرونَ رأسها، فاستخرجت الكتاب منها، فدفعته إليه، فأتى به رسولَ الله صلى الله عليه وسلم. فدعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حاطبًا، فقال: يا حاطب، ما حملك على هذا؟ فقال: يا رسول الله، أمَا والله إنّي لمؤمن بالله ورسوله، ما غيّرتُ ولا بدّلتُ، ولكنّي كنتُ امرأً ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهلٌ، فصانَعْتُهم عليهم. فقال عمر بن الخطّاب: يا رسول الله، دَعْني فلأضربُ عُنقَه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما يُدريك يا عمر، لعلّ الله قد اطّلع إلى أصحاب بدر يوم بدر؛ فقال: اِعْملوا ما شئتم، فقد غَفَرْتُ لكم. فأنْزل الله تعالى في حاطب: «يَآ أَيـُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمُ, أَوْلِيَآءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ» إلى قوله: «قَدْ كَانَتْ لَكُمُ, إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالذِينَ مَعَهُ, إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمُ, إِنَّا بُرَءَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَآءُ اَبَدًا حَتَّىا تُومِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ, » [الممتحنة: 4]».
ولا يخفى على سيادتكم ما في هذا النصّ عن السيرة النبوية من المواعظ والتأسّي؛ وقد قال تعالى: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الاَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا».
Categories: ندوة الإربعاء
Sorry, comments are closed for this item.