موقع الشيخ طلاي

Menu

ميزاب بلد كفاح

 

الجلسة الرابعة عشر: 09/04/2014م الموافق ليوم: 9 جمادى الثانية 1435هـ

أيّها السادة الكرام، أيّها الأحبّة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

إطلالتنا هذه الليلة بل العشية ستكون من كتيّب صغير كتبته منذ أربعين سنة، وهو من باكورة ما خطّه قلمي وتجاسرتُ على طباعته.

دواعي كثيرة دفعتني إلى كتابته، وبقراءة مقدّمة الكتاب وخاتمته تلمحون بعض تلك الدواعي.

وقد عزمتُ على إصدار جزء ثانٍ له يتعرّض إلى بعض الأحداث والآراء التي طرأت على مجتمعنا الصغير بعد الاستقلال الوطني، لأنّ الكتاب المتحدّث عنه يستعرض الأحداث والحياة الاجتماعية والاقتصادية فيما قبل الاستقلال والثورة المباركة، ولكنّي عدلتُ عن ذلك لأسباب لا داعي لذكرها.

الكتاب يسمّى: “مزاب بلد كفاح”؛ وإليكم أيّها السادة مقدّمة هذا الكتاب وخاتمته.

مقدّمة الطبعة الأولى.

الحمد لله الذي انفرد بالحول والقوّة، وبيده الهداية والتوفيق، ومنه نستمدّ الرشد والتبصرة، والصّلاة والسّلام على المبعوث بهداية الإسلام، الداعي إلى الله، وعلى آله وأصحابه الذين سلكوا نهجه، واتّبعوا سُنَنَه.

هذه ملاحظات أسجّلها، وصور أجمعها، لناحية من نواحي وطننا العزيز -وادي مزاب- أدعوك أيّها القارئ الكريم إلى الوقوف عليها، وتتبعها، ملاحظات ومناظر ليست بعيدة عنك، ولا من الغرابة والإبهام إلى درجة تستعصي فيه على الفكر، وإنّما كثيرا ما يمرّ عليها الإنسان عابرا لا يأبه لها، لأنّه يجهل واقعها، أو يتصورها على غير ما هي عليه.

والباعث لتسجيل هذه الملاحظات، والإقدام على جمع هذه المعلومات هو ما يحيط من الجهل واللبس بهذه الناحية، وبتاريخها، وحياة سكانها، لاسيّما وقد أصبحت في السنين الأخيرة متجه كثير من السواح، ومقصد الزائرين، سواء من أبناء الوطن فى الشمال، أو من الأجانب الوافدين على الجزائر.

ومعرفتي الجيّدة بهذه الناحية تجعـل كتابتي -بعون الله- أكثر تمكنا، وإحـاطة عمّا لو كانت من غير الساكنين بها، والمتّصلين بحياتهم.

وكثيرا ما منّيت نفسي لو وجدت دراسة علمية، ناضجة، عن هذه الناحية، الراسخة في الإسلام، العريقة في العروبة، فتضيف إلى تراثنا المجيد تراثا قيّما، وإلى فخر الجزائر وأمجادها فخرا ومجدا، عند ذلك أكفى مشقة التعرّض لشيء ليس من اختصاصي. ولكن شاءت الأقدار أن يكون غالب ما كُتِب أو نُشِر في الصحف عن هذه النّاحية، لكتَّاب أجانب، غرباء عن هذا المجتمع، وعن عاداته وتقاليده. فجاءت كتاباتهم أقلّ ما يقال عنها: إنّها ينقصها النور النافذ، والجلاء المبين. إنّما سجلوا ملاحظات عابرة شاهدوها، فخدعتهم عن الحقيقة، أو سمعوها عن غيرهم فأخذوها بدون محص وتعيير.

وإنّي سوف أقصر دراستي هذه على التعرض لتاريخ المنطقة، والظروف الباعثة على عمرانها، وعلى بيان مظاهر الكفاح المرير الذي قام به سكان هذه الناحية قديما، ضَمِنُوا لأنفسهم الحياة والاستقـرار.

– كفاح في الناحية الاقتصادية لتوفير الرخاء، ومغالبة الفقر الطبيعي وجَدْبَ المعيشة.

– كفاح في الناحية الاجتماعية، لتكوين مجتمع مسلم، سالم من الانحلال والتّفسخ.

–  كفاح في الناحية الفكرية لاستنارة الأذهان، ونشر الثقافة الإسلامية صافية.

وفي هذا الكفاح، وهذا التفاني والتحمّل، من جماعة حبست نفسها على تحقيق المثل الأعلى والتشبّث به مهما تكن الظروف، وعلى الثبات على مبدأ آمنت به، وتعلّقت بأسبابه، لَمِثَالٌ رائعٌ لما تفعله المبادئ عند ما تشربُها النفوس وتتشبّع بها ومن الله نستمد العـون والتّأييد.

البليدة 1975، إبراهيم محمّد طـلاي.

وأمّا الخاتمة فهذا نصّها:

«ها قد أتينا على نهاية هذه الجولة السريعة، التي إن لم تشخّص المجتمع المزابي في القديم، تشخيصا دقيقا، فقد أعطتنا عنه معالم واضحة، تستطيع تصوّره من خلالها.

كما أنّني أعتقد أنّي قدّمت للقارئ الكريم صورة لتجربة فريدة من نوعها، قام بها المزابيون لفترة طويلة من الزمن، حاولوا فيها أن يجعلوا من مجتمعهم، مجتمعها مسلما، نقيا، بعيدا عن المؤثرات الخارجية التي نخرت المجتمع الإسلامي في مختلف الأقطار، وسلبت منه روحه.

تجربة قد وفّقوا فيها إلى أبعد الحدود، وإن وجد معها الانحراف والفساد، فالغلبة دائما لجانب التقوى والصّلاح. فإن كنتَ ممّن تستهويهم الـمُثل العليا، ومن العقائديين، فسوف تتحمّس لها، وتُكْبِر عَمَلَهم، وإن كنتَ مـمّن لا تهمّه المثل كثيرا، فسوف تقول: إنّهم حملوا أنفسهم عَنَتًا، ما أغناهم عنه.

والذي يأباه الحقّ، ويحيد عن الإنصاف، أن نقول عن هذا المجتمع أنّه مجتمع مغلق، معمى، كلّ شيء فيه غير واضح، مع أنّ كلّ شيء فيه واضح، أو نرمي أصحابه بضيق الصدر والتعصّب مع أنّه فتح صدره لكلّ من أراد أن يندمج فيه على أن يطبّق تعاليم الإسلام.

نعم إنّ هذا المجتمع الذي يبدو للبعض كأنّ له حدودا مقامة، تظهره منعزلا، إنّما كان ذلك كردّ فعل للغزو الاستعماري للمسلمين في كامل المغرب العربي.

علاوة على ما تراكم على النفوس مدى أجيال من رواسب التأخر، والنكسة التي ابتلـي بها المجتمع الإسلامي، في عهد الملوكية المطلقة.

أمّا الآن فقد تغيّرت الأوضاع، وذابت تلك الرواسب، وبدأ المسلمون يبحثون عن الإسلام في صورته المشرقة الصحيحة.

فإن رأينا من المزابيين تمسّكا ببعض الأنظمة التي كانت لهم، أو ميلا إليها، فلِمَا وجدوا فيها من منفعة وصلاح لا يعوّضها لهم نظام آخر، والنفوس تنكر ما لم تألفه.

وإلاّ فالشعب الجزائري المسلم، يُكوِّن وحدة متماسكة بين أفراده؛ وحدة سياسية متساندة على الآمال، ووحدة اجتماعية متماسكة تجمع أفراده كلمةُ الإسلام، وقِيَمُه العليا.

فإلى هذه الوحدة، وإلى هذه القِيَم، ينبغي أن تغيّر التقاليد، والعادات مهما اختلفت الظروف، والحكم لها، أو عليها.

هذا وسأتبع هذا الكتيّب بكتيّب آخر -إن شاء الله- نخصّصه لدراسة المجتمع في مزاب في الفترات الأخيرة، وفي عهد الاستقلال، ونتعرّض لتقييمه، وما ينبغي أن يكون عليه في العهد الزاهر الذي تشهده الجزائر، وكيف أنّه لم يتخلّف عن رفع راية الكفاح التي رفعها منذ قرون، ونرجو أن لا يتخلّف.

Categories:   ندوة الإربعاء

Comments

Sorry, comments are closed for this item.