موقع الشيخ طلاي

Menu

من ذكريات العيد

الجلسة الواحدة والثلاثون: 24/10/2012م الموافق ليوم 8 ذي الحجّة 1433هـ

أيّها السادة الحضور، أيّها الإخوة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إطلالتنا في هذه الأمسية، أو الحديث سيكون في موضوع العيد الكبير كما نسمّيه، أو العيد الأضحى ويوم الحجّ الأكبر كما سمّاه الله تعالى.

ولِمَ لا ونحن في الأيام الأولى من هذا الشهر ذو الحجّة.

لقد كان الأوائل رحمهم الله تعالى وحسب ما بقي لي في ذهني يقيمون أهميّة واحتفالات بهيجة عندما يهلّ هلال ذي الحجّة.

وسأعود بكم إلى الأربعينات من القرن الماضي، وأَذْكُرُ لكم صورة عنها لا زلتُ أتذكّرها.

قبل العيد الكبير بنحو ثلاثة أيام تتوقّف الصناعة التقليدية وخاصّة في المنازل، تترك كلّ النساء النسيج والغزل وخدمة الصوف، حيث لا يخلو منزل من هذه الصناعة، ويتّجهن إلى العناية بمنازلهنّ وتنظيفها، وإعادة ترتيب أثاثها أو تفريشها بفرش أُعدّت لمثل هذه المناسبة.

وتُقام في غالب ديار الموسرين أرجوحة أو أرجوحتين للبنات يغنّين بأهازيج احتفالا بقرب العيد، يمجّدن آباءهن وإخوانهنّ منها: «بابَكْ الغالي ديمَ أَنُيُورْ، أيْحَفْظَنَغْتْ رَبِّ”، ومعناه: أبي العزيز دائما كالقمر، اِحْفَظْهُ يا الله، وهذا إذا كان الأب من العزّابة أو من “إرْوانْ” أي طلبة العلم؛ أمّا إذا كان من العامّة إلاّ أنّه قارئ للقرآن ويعتاد مجالس العلم: «يَوَّاكْ أو بابَكْ الغالي دِيتْرِي أَمَلاَّلْ، أيْحَفْظَنَغْتْ رَبِّ»، ومعناه: أخي أو أبي العزيز كالنجم الناصع، اِحْفَظْهُ يا الله؛ وإذا كان من الفرسان وأصحاب السيف: «باباكْ الغالي أو يَوَّاكْ الغالي دِخَفْ نَتْسَرْعُوفْتْ، أيْحَفْظَنَغْتْ رَبِّ» ومعناه: أبي العزيز أو أخي العزيز قائد الجماعة، اِحْفَظْهُ يا الله.

والعامّة وخاصّة النسوة يحرّمن العمل في العواشير ويتشاءمن من صناعة الصوف وما إليها، وكذلك الرجال الذين يقومون بالصناعة كالبنّائين والنجّارين، إلاّ أنّ هؤلاء لا يتوقّفون عن العمل إلاّ في الأيام الثلاثة الأخيرة في الغالب، وهي أيام منى.

وقد قال عليه السلام إنّها أيام أكل وشرب وزينة وذكر الله، كما قال تعالى: )وَاذْكُرُواْ اللهَ فيِ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ(.

وقبل العيد الأضحى تغشى السوق قطعان الغنم للبيع، وكنّا نحن الصغار نبتهج بذلك ونفرح به أيّما فرح، وخاصّة في العشايا.

وتقوم في السوق حركة غير عادية لشراء الكباش وجرّها إلى المنازل، وترى بعضا من ذوي اليسار بيده ورقة تذكّره لمن يهدي له كبش العيد من أقاربه، وخاصّة الأرامل منهم، ونحن الصغار ننتظر بشوق متى يأتي آباؤنا بكبش العيد.

ولا تمرّ بطريق من الطرق التي تتخلّل المدينة إلاّ وتسمع ثغاء الغنم من الدار أو السطوح.

وفي صباح يوم العيد بعد الخروج إلى زيارة مقبرة العائلات والترحّم على الأموات والدعاء لهم، وبعد صلاة العيد، تُجرّ الكباش إلى المجزرة من الناحية الغربية، حيث المستوصف الآن “عِيشَهْ بوكَّرْ”، أو إلى الفضاء الذي بين السور والمدينة في أماكن مناسبة، وقد حفر القائمون بعملية الذبح أخدودين: أخدود للذبح، وأخدود بجانبه ساريتان وعارضة للسلخ وتنظيف الشاة ممّا في بطنها.

والأطفال والرجال في حركة دائبة، كلّ واحد يراقب شاته وما يُستخرج منها، فيتلقّاه في وعائه، وكلّ شاة قبل أن تُخرج يُكتب في شريط قماش اسم المضحّي ويُربط في إحدى رجليها الخلفيتين، أمّا الفريسة أي “تِخْسِ” سيأتي دورها في النهاية، حيث يجلس المهرة في تفصيل الشاة عضوا عضوا، حسبما جرى به العرف في المدينة، والشاة الواحدة تقسم إلى 48 لحمة.

ولا تأتي العشية إلاّ وقد رُدمت تلك الأخاديد وأزيلت تلك السواري.

السادة الحضور، ما دمنا قد تحدّثنا عن العواشير (لعلّه من عشرة أيام) أفيدكم أنّ بداية العواشير ستكون قبل العيد تلقائيا وخروجها أو تسريح السوق من توقيف البيع فيه، فلا يكون إلاّ من طرف هيئة العزّابة، ويكون ذلك في عشية يوم الثلاثاء أو السبت لا غير.

وعندما تتمّ ثلاثة أيام ويناسب ذلك أحد اليومين يُدعى وصيف العزّابة للمسجد، وبعد صلاة العصر يأمره الإمامُ بتسريح السوق، ويمنحه قفّة تمر من المسجد، فيقصد توّا إلى السوق القديم سوق “صالَحْ وَاعْلي”، ومنه يتّجه منحدرا إلى الطريق الواسع “أَغْلاَدْ أَوَسَّاعْ”، فيقف في نهايته متّجها إلى فضاء سوق البلدة “لالَّه عَشُّو” قائلا:

«صَلّوا عْلَى ارْسولْ الله (ثلاثا)، الّي بَاعْ يَرْبَحْ، وَالّي اشْرَا يَرْبَحْ، وَالِّي صَلَّى عْلَى انْبي يَرْبَحْ»،

ويدعو الله وينصرف، فتعود حركة السوق إلى ما كانت عليه من قبل، أعني الدلالة العمومية.

Categories:   ندوة الإربعاء

Comments

Sorry, comments are closed for this item.