من بنات الأسفار خواطر ومقالات ومذكّرات وليدة رحلاتي وأسفاري.- د. محمد بباعمي 1
الجلسة الحادية عشر: 14/03/2012م الموافق ليوم 21 ربيع الثاني 1433هـ
إخواني السادة الأساتذة ومحبّي الثقافة، تحيّة مباركة وسلام عطر يعمّ جلستنا.
لقد غبتُ عنكم -لا غيّبكم الله- جلستين لمهمّة قمنا بها إلى العاصمة.
ومن نعمة الله علينا أن وجدتم من أبنائنا والأساتذة الكرماء ما خلفني في هذه المنصّة المتواضعة، وحسنًا فعلوا، فلهم كلّ الشكر والثناء.
جلستنا هذه الأمسية ستكون من كتيّب جديد صدر أخيرا في طبعته الأولى 2011م، للدكتور الفاضل الألمعيّ الذكيّ الأستاذ محمّد بن موسى بابا عمّي حفظه الله وأعانه.
عنوان الكتاب: من بنات الأسفار خواطر ومقالات ومذكّرات وليدة رحلاتي وأسفاري.
والكتاب عبارة عن مذكّرات وخواطر عن ثلاث رحلات، إلى إيران ودمشق وكندا. ونحن نقتصر الليلة على مقتطفات من الرحلة إلى إيران، زيارة سياحية لطهران، قمّ، أصفهان كان ذلك لمدّة أسبوع بمناسبة المعرض الدولي للكتاب، الطبعة العشرون 2007، وبتاريخهم الشمسي 1386.
صدّر الحديث عن خواطره ومذكّراته الهامّة في هذه الرحلة بالحديث عن السفر وأثره في نفسية الإنسان وآرائه وحياته، وقديما قال الشاعر:
سافر ففي الأسفار خمس فوائد تفرّج همّ واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد
أمّا ابن الوردي فيقول:
حبّك الأوطـان عجز ظاهر فاغترب تلق عن الأهل بدل
فبمكث المـاء يبقى أسِنـًا وسُرى البدر به البدر اكتمل
إلاّ أنّ الدكتور نحى ناحية أخرى في السفر ودعا إلى علوّ الهمّة وحسن الاقتباس، والاعتبار وبُعد النظر فيما تراه ويُصادفك في تنقّلك، فالسفر إيمان كما يقول في ص10:
«السفر معرفة…السفر راحة…السفر هِبة من الله لعباده المخلَصين، إذا هم شكروا؛ وهو بلاء لعباده الضالّين، إذْ هم بنعمه قد كفروا. وبالسفر ترتفع النفس من وحل المشاغل الآنية الدُّونية اليومية، وتعلو الهِمَّة إلى اهتمامات بعيدة خطيرة خالدة…
ولا يدرك هذه المعاني إلاّ مَن حمل عقله معه، وأودعه سويداء فؤاده وبصيرته، ولم يعطّله بالسفاسف والمعاصي، وحرّره من قيود الزمان والمكان، وأبعده عن حوزة الشيطان، ليعليه إلى مقام أنزله الله فيه الرحمن.
وكم من مُمْتط عنان السماء، قلبه مُخْلد إلى الأرض، وعقله يتمرّغ في الضحضاح، كلاهما لاصق بالتراب؛ غير أنّ ثمّة ناسا لم يخرجوا من حدود بلدهم، لموانع تفوق طاقتهم، لكنّهم طيور مهاجرة في فضاءات المعرفة والعرفان…أولئك الأبرار الأطهار.»…
«نزلنا أرضية مطار طهران، وكانت هذه أولى خطواتنا في هذا البلد، داعين المولى عزّ وجلّ أن يبارك لنا فيها، ويجعلها في رضاه…
وفي المطار كان في استقبالنا السيّد مشرّف آل طه، رغم أنّ الوقت غائرا في السحَر، مؤذنا باقتراب الفجر…إلاّ أنّ كرمه وكرم مرافقه عامر جعلهما يتكبّدان المصاعب ويهجران المضاجع، لأجلنا…جازاهم الله عنّا كلّ خير.
ولقد شدّ انتباهي وانتباه الإخوة المرافقين ذلكم المنظر الرائع من العزّة، والذي يصنع مشهد النساء يضعن خمارا وحجابا على رؤوسهنّ، مهما كانت ديانتهنّ أو بلدهنّ أو مستواهنّ…إيذانا باحترام دين البلد. ولقد شاهدنا العديد من النساء على متن الطائرة -أو في مطار إستانبول- وهنّ يستبدلن الحجاب المحتشم باللباس المتفسّخ، ويُرِحن العيون من العَنَت والقلوب من الأسى…
فقلنا جميعا: “ألا ليت بلاد المسلمين تقتفي أثر إيران في الإعلاء من شأن الدين، بلا خشونة ولا شدّة، لكن باحترام ومودّة”.».
«بعد وجبة الفطور الطيّبة التي لا تختلف كثيرا عن وجبات أيّ نزل في العالم، كان لنا لقاء مع مضيّفنا الكريم السيّد آل طه. جلسنا نخطّط لأسبوعنا في إيران، فاقترح علينا زيارة العديد من المراكز العلمية، ومشاهدة الكثير من المعالم السياحية…ممّا لو نفّذناه على حذافيره، لِوَحدنا، لَلَزِمنا من الزمن أزيد من شهر في طهران وحدها…
وأخيرا كان الاتّفاق على أن يكون هذا اليوم للهدف الأوّل من رحلتنا: زيارة المعرض الدولي للكتاب…فقصدناه بعون من الله تعالى.
في المعرض الدولي للكتاب، الطبعة العشرون، 1428هـ/ 2007م، وبتاريخهم الشمسي 1386.». …
«وفي جناح عُمان، وجدت ضمن الكتب مؤلّفاتٍ من تحقيقنا في المغرب، بالاشتراك مع ثلّة من الباحثين؛ مثل: التاج على المنهاج، وتيسير التفسير…كلُّها من منشورات وزارة التراث في سلطنة عُمان، وهكذا يُسافر الفكر، وتؤثّر الكتابة…وينفع العلم، بإذن من الله، من يعرف المؤلِّف ومن لا يعرف.
وفي أجنحة الفكر والفلسفة، والتاريخ والحضارة، والأدب والعمارة…بَهَرتنا النهضة العلمية بإيران، فعدد الموسوعات في مختلف الفنون تعدُّ بالمئات، وجَوْدة الطباعة لا تُضاهَى، وتعدّد العناوين يَنِدُّ عن وصفه اللسان (33 ألف عنوان)، وجدَّة الطرحات…وعمقُ الموضوعات…كلّ هذا جعلني اليوم أعتبر أنّ إيران لا تقارَن بأيِّ دولة عربية، لكن علينا أن نقارن بين الدول العربية مجتمعة (من جهة)، وإيران لوحدها (في الكفّة الأخرى)…ولعلّ إيران تفوق وتتفوّق..».
Categories: المقالات و دروس الوعظ
Sorry, comments are closed for this item.