موقع الشيخ طلاي

Menu

مجلة حراء – الحلقة الثانية

الجلسة الرابعة: 25/01/2012م الموافق ليوم 1 ربيع الأوّل 1433هـ

أيّها السادة الحضور، إخواني الأساتذة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

في الحصّة الماضية كانت إطلالتها على مقال أدبي علمي من مجلّة “حِراء” التركية([1])، عن الجنين وهو في بطن أُمِّهِ، يذكر وهو في بطن أمّه بلسان الحال أو المقال ألطافَ الله به وحفظه ورعايته تعالى به وبأمّه وهو في تطوّر عجيب، والأخطار تحيط به من كلّ جانب إلى أن خرج إلى الدنيا بلطف الله وإنعامه بشرًا سويا، وهو يقول: ]رَبِّ أَوْزِعْنِيَ أَنَ اَشْكُرَ نِعْمَتَكَ التِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىا وَالِدَيَّ وَأَنَ اَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ[.

وقد رأيتُ منكم إقبالا جيّدا على تلك الإطلالة، فرأيتُ أن نواصل إطلالتنا في هذه الأمسية، فنواصل الاستماع إليه وهو يتحدّث عن ألْطاف الله، فيحدّثنا عن حيويته وشخصيته في بطن أمّه، وعن حاسّة الشمّ وحاسّة السمع، ثمّ يُنهي حديثه الشيّق بوصية يوجّهها إلى أمّه ليخرج إلى الدنيا سليما من آفاتها. يقول صاحب المقال في صفحة 40-41.

«…لقد تحرّكتُ كثيرا وحان موعد نومي. نعم، إنّني أنام وأصحو، وقد جعل الله لي “ليلا ونهارا” صغيرين دقيقين كصغري ووقتي، إذ يتناوبان عليّ في دورة “صحو ونوم” عبر الساعة، كما يتناوب عليكم الليل والنهار في أربع وعشرين ساعة.

إنّ ربّي الوهّاب لم يحرمني من سنّة كونية كبرى حتّى في عمري الصغير هذا، فأقرأني بلطفه في كتاب كونه وجعلني بذلك أوّل مَن امتثل لوصيّته الأولى لنبيّه r ]اِقْرَأْ[، شيئا فشيئا يصبح نومي أكثر عمقا وانتظاما مع اقتراب موعد خروجي للدنيا، حتّى يصبح قُبَيْل ولادتي متطابقا مع برنامج الصحو والنوم عند الوليد حديث الولادة.

حيوية الجنين وشخصيته

إنّ حيويتي وشخصيتي لا تتبلوران في ما يصدر عنّي من حركات، بل إنّ لي أحاسيسي وتفاعلاتي، فتبدأ حاسّة اللمس عندي من أسبوعي الثامن، إذ أتلمّس وجهي بيديّ، ثمّ أنتقل بعدها تدريجيا لباقي أعضاء جسمي، ومع أسبوعي الرابع عشر تتشكّل المستقبِلات العصبية للتذوّق بفمي، فأبدأ بتذوّق السائل الرهلي، وأتسارع أو أتباطأ في ابتلاعه وإرجاعه حفاظا على دورة الماء حولي على أنّني لا أفعل ذلك كآلة مجرّدة من الحسّ، بل إنّني حقّا “ذوّاقة” أتعرّف حتّى على النكهة التي تشمل التذوّق والشمّ، حتّى إنّني عقب ولادتي أميل للتعرّف على نوعية الأطعمة التي سبق أن أكلتِها –يا أمّي- إبّان حملكِ بي وأفرزتها لي في السائل الرهلي المحيط بي، فأميل إليها وأتعرّف عليها وأفضّل بعضها بعد مولدي.

حاسّة الشمّ عند الجنين

أمّا حاسّة الشمّ عندي، فتبدأ ما بين الأسبوع الحادي عشر والأسبوع الخامس عشر. إنّ لي قدرة رائعة في هذا الأمر، إذ لا يلزمني –كالكبار- انتشار الروائح “هواء” جواري لأشمّها ثمّ أميّزها، وإنّما يكفيني “الانتشار الكيميائي” للموادّ ورائحتها في السائل الرهلي، حتّى إنّه يمكن تمييز 120 مركّبا ذي رائحة محدّدة في هذا السائل.

كم هي عظيمة قدرتكَ يا ربّ ! جعلتَ لي في ظلماتي الثلاث ذاكرة يمكن لدقّتها وكفاءتها أن تصمد لحادث الولادة الجلل فأَعْبُر بَرْزَخي الأوّل من الرحم إلى عالم الدنيا وذاكرتي تحفظ لي ما شاركتُ فيه أمّي من قبل أن أولد. حقّا بنورك أسعى في الظلمات.

أمّاه، أعلمُ أنّكِ أحرص عليَّ من نفسكِ التي بين جنبيْك، وأنّك لن ترضي أبدًا بتناول أيّ شيء قد يصل إليَّ فيؤذيني أو يشكّل خطرا عليَّ. إنّ الكحول ذو تأثير مشوّه مدمّرٍ على أعضائي وأنسجتي جميعًا، وإنّ تناولكِ إياه -بأيّة كمّية- يدفعني قسرا للمشاركة فيه والتأثّر به وإدمانه، حتّى قبل أن تعرف فطرتي المعنى القبيح لهذه الكلمات، لأنّه يعمل في الحلقات والتفاعلات الكيماوية لجهازي العصبي، وأنا بعدُ داخل كيانِكِ يا أمّي، وأنا على يقين أنّكِ لن تفسدي فطرتي الطاهرة قبل أن تر عينايَ النور.».


([1]) العدد 27، السنة السابعة، نوفمبر – ديسمبر 2011، للدكتور أحمد عبد الحفيظ، بعنوان: بِنوركَ [يا ربّ] أسْعى في الظلمات.

Categories:   المقالات و دروس الوعظ, ندوة الإربعاء

Comments

Sorry, comments are closed for this item.