موقع الشيخ طلاي

Menu

كتاب سراج الملوك للطرطوشي

جلسة يوم  28/10/2009م الموافق ليوم 10 ذو القعدة 1430هـ

إخواني السادة الأساتذة محبّي الثقافة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سيكون حديثنا هذه الليلة المباركة في نصّ منقول عن كتاب “سراج الملوك” للطرطوشي، وهذا الكاتب هو أبوبكر الطرطوشي الأندلسي، توفي سنة 520هـ/ 1126م.

أديب أندلسي باحث في الدين والأخلاق والسياسة، يُنسبُ إلى طرطوشة بلدة في الأندلس، ثمّ رحل إلى المشرق وأقام في الإسكندرية إلى أن مات، وأشهر آثاره الكتاب المعروف بسراج الملوك. وصف فيه فضائل الأخلاق ورذائلها، ونَقل كثيرا من أخبار الأنبياء والصالحين على وجه العظة، وكثيرا من الأمثال ممّا قال في هذا الكتاب القيّم يفاضل بين حاجة الملك (أو الدولة) إلى المال وحاجته إلى الرجال من ذوي الكفاءات .

«معظم ما أَهلَك بلاد الأندلس وسلّط عليها الروم أنّ الروم التي كانت تجاورنا لم تكن لهم بيوتَ أموالٍ، وكانوا يأخذون الجزية من سلاطينَ الأندلس ثمّ يدخلون الكنيسةَ فيَقْسِمْها سلطانُهم على رجاله بالطاس، ويأخذُ مثلَ ما يأخذون وقد لا يأخذ شيئا منها، وإنّما كانوا يصطنعون بها الرجال.

وكانت سلاطينُنا تَحْتجبُ الأموالَ وتضيِّع الرجال. فكانت للروم بيوتَ رجالٍ وللمسلمين بيوتَ أموال. فبهذه الخُلَّة، قَهَرونا وظهروا علينا…

وإذا كان الدفاع في الرجال لا في الأموال -وإنّما يُدفع بالرجال بواسطة الأموال- فلا شكّ أنّ بيتَ رجالٍ خيرٌ من بيتِ مالٍ.

ومثال الملِك في جَمْع المال، ليتقوّى به على عدوّه مَثَلُ طائرٍ يَنْتِفُ ريشَه ويَمُصُّ أصولها ويأكل ما نَعمَ منها، فَلَذَّ له طيِّـبُها، وأَعْجَبَه خِصْبَ جِسْمِه على ذلك، وقَوَّتْه على عَدُوِّه. فلم يَزَلْ كذلك حتّى خَفَّ ريشُه، فسقط إلى الأرض فأكَلَتْه الهوامُّ والحشرات.

وفي أخبار بعض الملوك أنّ وزيرَه أشار عليه بجمع الأموال واقْتِناء الكنوز، وقال: إنّ الرجال، وإن تفرّقوا عنك اليوم، فمتى احْتَجْتَهُم عَرَضْتَ عليهم الأموالَ فتهافتوا عليك.

فقال له الملِك: هل لهذا من شاهد؟

قال: نعم، هلْ بِحَضْرَتِنا ساعةَ ذُباب؟ قال: لا.

قال: فأمرَ بإحْضارِ جَفْنَةٍ فيها عَسَل، فحُضِّرَتْ، فتساقطَ عليها الذبابُ لوقتها.

فاستشار السلطانُ بعضَ أصحابه في ذلك، فنهاه، وقال: لا تغيِّرْ قلوبَ الرجال، فليس في كلّ وقت أَرَدْتَهُم حضروا.

فسأله: هل لذلك من دليل؟

قال: نعم، إذا أمسينا سأخبرك.

فلمّا أظْلَمَ الليلُ قال للملِك: هاتِ الجفنة.

فحضِّرت، ولم تحضر ذبابةٌ واحدة!».

Categories:   ندوة الإربعاء

Comments

Sorry, comments are closed for this item.