موقع الشيخ طلاي

Menu

فاتح القدس – الشيخ علي الطنطاوي

الجلسة السابعة والثلاثون: 19/12/2012م الموافق ليوم 6 صفر 1434هـ

إخواني السادة المحبّين للثقافة وعشّاق المعرفة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

إنّنا في هذه الأيام مشدودون إلى الأحداث وتطوّراتها في مصر، مصر التي تُدعى في زمن العزّة “الكنانة”.

نعم، إنّها كانت كنانة الإسلام والعرب بالخصوص، وستعود بحول إلى عزّها وشرفها.

وفي هذه الأيام أو الأشهر الأخيرة مشدودون أكثر وفي حيرة وأسف أعظم ممّا تأتي به الأخبار في سوريا وفلسطين، وما يقع فيها من فساد وخراب، وإفساد وتخريب من طرف أهلها ورجالاتها ومجانينها وعقلائها أيضا.

تصفّحت كتاب “رجال من التاريخ” للشيخ الأديب عليّ الطنطاوي، وقد حدّثتكم عن هذه الشخصية العظيمة من قبل، وأخذنا من كتابه حديثا أو حديثين؛ قلتُ تصفّحت الكتاب لعلّي أجد في تاريخ أولئك الرجال ما يكون لنا عبرة وعظة، ويخفّف عنّا الأسى والأحزان.

فإذا مقال هامّ جدّا عن تلك المنطقة التي تُعدّ قلب الأمّة الإسلامية دمشق الشام وفلسطين المسلوبة ولبنان كلّها كانت وطنا واحدا، وقد بلغت الأحداث فيها من الفساد والتخريب والتحالفات مع الصليبيين ما يحيّر النفوس الأبيّة ويمسخ الرجال إلى الأحلاسوسقط المتاع.

فقيّض الله لها رجلا شهما وبطلا عجيبا، نظّف الله به وعلى يديه الطاهرتين تلك الأصقاع المباركة التي كانت قلب الإسلام وبركة الله فيها للعالمين، كما وصف الله تعالى تلك الأراضي بقوله تعالى: )الاَرْضِ التِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ(، ذلكم هو صلاح الدين الأيوبي قاهر الصليبيين، ومنقذ الأمّة الإسلامية منهم.

صدّر مقاله “فاتح القدس” بقول الشاعر:

قل للملوك تنحّوا عن عروشكم * فقد أتى آخذ الدنيا ومعطيها

ويقول الشيخ في الكتاب في صحيفة: 217:

لقد قرأت سيرة صلاح الدين مرارا ولكنّي عدتُ أنظر فيها قبل أن أكتب هذا الفصل، …فكان من أعجب ما وجدت أن ينبغ هذا الرجل العظيم جدّا في هذا الزمان الفاسد جدّا وأن يتغلّب على العدوّ القويّ جدّا.

كان المسلمون قبل نور الدين وصلاح الدين على شرّ حال من الانقسام، على حال لا يمكن أن يصل إلى توهّمها وهم واحدا منكم مهما بلغ في تصوّر الشرّ، كان في هذه البقعة من الوطن الإسلاميّ من الدول، بمقدار ما كان فيها من البلدان، ففي كلّ بلدة بلدة مستقلّة: في دمشق دولة، وفي شيزر دولة، وفي حماة دولة، وفي بعلبك دولة، وفي حلب دولة، وفي ماردين وفي خيلاط وفي الموصل وفي سنجار بجنب الموصل ! وفي الحلّة، وفي بانياس وفي الجبل دول.

وكان في كلّ دولة ملك أو أمير، أمراء مُنْكَرون، لهم أسماء عجيبة وسير أعجب. وكان أقصى مدًى لصلاح الدين ونور الدين من قبله، أن يكون كواحد من هؤلاء الأمراء، وإن هُو نَبَغ كان أكبرهم، فكيف ظهر هذان البطلان الخالدان، في مثل ذلك الزمان؟ [وفي تلك البقعة الفاسدة من أرض الله].

وكانت قد دهمت الشام قبل صلاح الدين حملتان صليبيتان، جاءتا كموج البحر، لهما أوّل وليس لهما آخر، ساقهما الطامعون في هذه البلاد باسم الغيرة على النصرانية، وإنقاذ أرض المسيح من أيدي الوحوش الضواري ذوات الأنياب والمخالب: المسلمين !

وكانت لهم دول، دول لا دولة واحدة، فلهم في القدس مملكة، وفي أنطاكية إمارة، وفي طرابلس، وفي الرُّها (أورفه) حكومة. ولهم في يافا كونتيَّة. دول وإمارات طالت جذورها، وبسقت فروعها، وعشّشت بومها وباضت وفرخت، وحسب أهلها وحسب المسلمون أنّها امتلكت الشام إلى الأبد.

(…).

غيّر ما كان بنفسه من الفساد، فغيّر الله على يديه ما كان في قومه من الضعف والتخاذل، كان يلهو ويعطي نفسه هواها، فتاب وأناب، لم يفسد بالإمارة كما يفسد بها كلّ صالح، بل صلح بها بعد أن كان هو الفاسد، ورجع إلى الله، فأرجع الله إليه النصر.

استمدّ أخلاقه وسيرته من إرث محمّد r، في التقوى والصلاح، فأعطاه الله إرث محمّد في الغلبة والظفر.

(…).

Categories:   ندوة الإربعاء

Comments

Sorry, comments are closed for this item.