طبقات المشائخ بالمغرب – الحج
الجلسة السابعة: 22/02/2012م الموافق ليوم 29 ربيع الأوّل 1433هـ
السادة الحضور، إخواني محبّي الثقافة، السلام عليكم وتحيّة مباركة.
إطلالتنا هذه الأمسية ستكون من كتاب طبقات المشايخ بالمغرب.
والكتاب فيه عدّة جوانب يمكن أن تعطينا أضواءً عن معاناة الأوائل في القيام بما أمرهم الله، إلى غير ذلك ممّا لا تخلو قصّة أو سيرة لشيخ من المشايخ في الكتاب.
النصّ يحدّثنا عن ابنيْ من أبناء الشيخ الجليل الجربي أبو زكرياء فصيل بن أبي مسور يَسْجَا، هما زكرياء ويونس، وهما من تلامذة أبي عبد الله صاحب الحلقة.
فيحدّثنا عن معاناتهما في الطريق للقيام بالحجّ، والمغاربة جميعًا كما نقل عنهم، أنّهم لا يسمحون لأنفسهم بالتخلّي عن القيام بزيارة الحرم المكّي والمدني ولو كلّفهم ذلك ما كلّفهم، مع أنّ الله تعالى يقول: )وَللهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً(.
فتراهم يقطعون آلاف الكيلومترات على أرجلهم في مفاوز قلّ أن ينجو فيها، من عوامل الطبيعة أو من السلاّبة وقطّاع الطرق. وإليكم القصّة من ج1، ص190.
«فمنهم زكرياء ويونس ابنا الشيخ أبي زكرياء رحمهم الله، كان زكرياء ويونس من أفضل أهل زمانهما علما وورعا وخلقا وكرما، وكانا قد قرءا على الشيخ أبي عبد الله حتّى برعا، فلهما أخبار مأثورة في كلّ فنّ، نذكر منها ما تيسّر.
ومنها ما بلغنا أنّهما توجّها إلى الحجّ، فلمّا كانا ببعض الطريق وقد أضرّ بهما السير ونَوَأَهما السفر نام زكرياء فتخلَّف عن الرفقة، فلمّا انتبه من نومه وجد نفسه في بيداء منقطعا عن الركب، فدعا الله سبحانه وتعالى بهذا الدعاء. فقال: »اللهمّ يا صاحب كلّ غريب، ويا مؤنس كلّ وحيد، ويا قريب غير بعيد، اجعل لي من سفري هذا فرجا ومخرجا»، ثمّ رفع رأسه فنظر، فإذا عمود من نور ساطع في الهواء فتيمّمه فسار نحو حتّى أدرك الركب فوجد أصحابه متحيِّرة خواطرهم، ذاهلة قلوبهم، ذاهبة عقولهم من أجله، فذهب عنهم ما كانوا فيه من القلق.
ونام يونس مرّة أخرى في طريقهما ذلك، فما استيقظ إلاّ وقد فاته أصحابه فسار في أثر الركب، فمرّ بجماعة من أهل الركب قد كانوا غشيهم النوم وتخلّفوا، فوجد في نفسه قوّة ونشاطا لم يجده فيهم فخلَّفهم، فسار مجدّا فلم يزل يخلِّف أواخر الركب ناسا بعد ناس حتّى مرَّ برجُل قد أدركه العياء فتخلَّف عن أصحابه، وقد ورمت قدماه وانتفخت رِجْلاه، وأشرف على الهلاك وقنط من الحياة، ومعه صرَّة فيها دنانير فنظر إلى يونس فتوسَّم فيه الخير، فقال له: إنّه قد أصابني ما ترى، ومعي هذه الصرّة فخذها، فأنتَ أولى بها من غيرك، فتناولها من يده وسار حتّى لحق بأصحابه.
ثمّ إنّ أهل الركب نزلوا فلم يزل صاحب الصرّة يتبع الأثر يمشي ساعة ويستريح أخرى حتّى لحق بالركب فبات، فلمّا أصبحا ارتحل الركب وارتحل الرجل ووجد في نفسه قوّة تذكّر صرّته، فجعل يتأمّل الناس ويردِّد بصره في وجوههم، ويكشف عن خبر صرّته، ويبحث فنظر إليه يونس فعرفه، وإذا هو قد ضمر وتغيَّر لونه وتحوّل جسمه فقال له: ما بالك؟ فقال له: من قصّتي كيت وكيت، فقال له يونس: أعطيته إياها هبة أم أخذها منك غصبا؟ فقال: بل أعطيته إياها هبة، قال: أتعرفه؟ قال: لا إلاّ أنّه جسيم طويل مثلك، فقال له: أتعرف الصرّة ‘ذا رأيتها؟ قال: نعم، فأخرج إليه الصرّة فدفعها إليه وجعل يرفع صوته يقول: والله ما هو إلاّ مسلم، يكرّرها مرارا.».
Categories: ندوة الإربعاء
Sorry, comments are closed for this item.