موقع الشيخ طلاي

Menu

حرب الثلاثين سنة

الجلسة التاسعة عشر : 29/05/2013م الموافق ليوم 19 رجب 1434هـ

أيّها الإخوة الكرام، أيّها السادة الأحبّة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

إطلالتنا هذه الأمسية ستكون في حرب الثلاثين سنة التي اجتاحت أوروبا بكاملها، وحصدت ما يقارب الثلثين من السكّان، وخاصّة الرجال المحاربة. ودمّرت آلاف القلاع والمستوطنات من جرّاء ماذا؟

من جرّاء النزاع بين طائفتين من طوائف النصارى، بين أتباع كنيسة الكاثوليك وكنيسة البروتستانت.

والأوروبيون الذين يفكّرون لنا ويؤرّخون لنا يشيرون علينا أن نفعل فعلهم، فنترك الإسلام والفرق الإسلامية والدعوة إلى الاقتداء به، وربّما هذا ليس علانية، ولكن من باب “لحن القول”.

ويمكن أن تقولوا: ونحن ما ألجأنا إلى هذا الموضوع، ولا ناقة لنا ولا جمل في تسيير الأمور؟

أقول لكم: أيّ مسلم حيّ الضمير وصفيّ الرؤية لا يتأثّر ولا يحزن ولا يعتصر قلبه ألما لِما يسمع ويرى من أحداث في سوريا والعراق والشرق الأوسط عامّة وفلسطين من قبل، وغيرها من الأصقاع العربية الإسلامية، والغربيون الذين يسيّرون يجرّون البساط من تحت أرجلنا، فتذكّرتُ قولَه تعالى في سورة الأنعام: )قلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىآ أَنْ يَّبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمُ, أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمُ, أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الاَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ(.

وبينما تنتابني هذه الأفكار؛ تناولتُ تفسير الشيخ اطفيش رحمه الله “تسير التفسير”، فإذا هو يورد أحاديث بعد تفسير الآية في الموضوع، منها ما رواه مسلم في كتاب الفتن، قال u: «سألتُ ربّي ألاّ يجعل بأس أمّتي بينهم، فمنعنيها»، أي لم يجب دعوتي.

وفيما رواه الترمذي عن خباب بن الأرَث؛ صلّى r صلاة، فقيل له: صلّيتَ صلاة لم تكن تصلّيها؟ فقال: أجل، سألتُ ربّي فيها ثلاثا، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة؛ سألته ألاّ يهلك أمّتي بالجدب فأعطانيها، وسألته ألاّ يسلّط عليهم عدوّا من غيرها فأعطانيها، وسألته ألاّ يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها. وأورد أحاديث أخرى في نفس الموضوع؛ تساءلت بل سألتُ نفسي: تُرى، لماذا لم يستجب الله له في الثالثة؟

الجواب، والله أعلم، أنّ الثالثة لا توافق سُنن الله تعالى في خلقه، والله تعالى يقول: )أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُّتْرَكُوا أَنْ يَّقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ(.

أمّا الأولى والثانية فليستا من سنّة الله تعالى في أرضه، بل استجاب الله له فيهما لأنّهما من رحمة الله تعالى وإحسانه ومِنّته على أمّة محمّد r؛ ألاّ يهلكم بالجدب، وألاّ يسلّط عليهم عدوّا قويّا يستأصلهم، أمّا العدوّ العادي فالحرب سجال.

والشطر الثاني من الجواب:

علينا ألاّ ننساق مع فلاسفة الغربيين وكثير ممّن يفكّر لنا ويحلّل لنا الأسباب، ويؤرّخ لنا تطوّعا أو مكرا وخداعا.

هؤلاء الغربيون ومَن يسير في رحابهم يقولون لنا: افعلوا ما فعلناه نحن في أوروبا بعد فتنة الثلاثين سنة في القرن السابع عشر؛ فقد أدخلنا أصحاب الكنائس والكاردينالات إلى كنائسهم، فسلمنا من حروبهم الهوجاء ومهاتراتهم، واستبدلنا مكان الإيمان والسعي لنصرتهم بالدعوة إلى القومية والاستغلال وتقوية الاقتصاد.

هذه دعوة خاسرة وماكرة، لأنّ منطلق حروبهم كان من خواء وأساطير وجهالة يأباها العقلاء، أمّا منطلق دعوتنا فإنّها من تبصّر وحكمة ونور من خالق العباد ومدبّر الكون والحياة، وشتّان بين هذا وذاك.

ولكيّ تتصّوروا بشاعة هذه الحرب أورد لكم نصّا من العنكبوتية عنها، عن الموسوعة الحرة “ويكيبيديا”؛ وهذا مقتطف منه.

«حرب الثلاثين عاما هي سلسلة صراعات دامية مزقت أوروبا بين عامي 1618 و1648م، وقعت معاركها بدايةً وبشكل عام في أراضي أوروبا الوسطى (خاصة أراضي ألمانيا الحالية) العائدة إلى الإمبراطورية الرومانية المقدسة، ولكن اشتركت فيها تباعا معظم القوى الأوروبية الموجودة في ذاك العصر فيما عدا إنكلترا وروسيا. في الجزء الثاني من فترة الحرب امتدت المعارك إلى فرنسا والأراضي المنخفضة وشمال إيطاليا وكاتالونيا. خلال سنواتها الثلاثين تغيرت تدريجيا طبيعة ودوافع الحرب : فقد اندلعت الحرب في البداية كصراع ديني بين الكاثوليك والبروتستانت وانتهت كصراع سياسي من أجل السيطرة على الدول الأخرى بين فرنسا والنمسا، بل ويعد السبب الرئيسي في نظر البعض، ففرنسا الكاثوليكية تحت حكم الكردينال ريشيليو في ذلك الوقت ساندت الجانب البروتستانتي في الحرب لإضعاف منافسيهم آل هابسبورغ لتعزيز موقف فرنسا كقوة أوروبية بارزة، فزاد هذا من حدة التناحر بينهما، ما أدى لاحقا إلى حرب مباشرة بين فرنسا وإسبانيا.

كان الأثر الرئيسي لحرب الثلاثين عاما والتي استخدمت فيها جيوش مرتزقة على نطاق واسع، تدمير مناطق بأكملها تركت جرداء من نهب الجيوش. وانتشرت خلالها المجاعات والأمراض وهلاك العديد من سكان الولايات الألمانية وبشكل أقل حدة الأراضي المنخفضة وإيطاليا، بينما أُفقرت العديد من القوى المتورطة في الصراع. استمرت الحرب ثلاثين عاما ولكن الصراعات التي فجرتها ظلت قائمة بدون حل لزمن أطول بكثير. انتهت الحرب بمعاهدة مونستر وهي جزء من صلح وستفاليا الأوسع عام 1648م.».

وكان من شروط الصلح أن تتخلّى الكنيسة عن الخوض في الشؤون السياسية والمدنية، لتحلّ محلّها القوميات الأوروبية في تسيير الشؤون العامّة والمختلفة للمجتمع.

Categories:   ندوة الإربعاء

Comments

Sorry, comments are closed for this item.