موقع الشيخ طلاي

Menu

بردة الشيخ إبراهيم بن بيحمان

جلسة يوم 18/03/2009 الموافق لليلة 21 ربيع الأوّل 1430هـ

أيّها السادة الحضور السلام عليكم ورحمة الله.

لقد وعدتكم في الحصّة الماضية أن أحدّثكم وأتعرّض إلى بردتَيْن من نوع الإنشاد المحلّي وشعر المشايخ الفضلاء، الذين تداولوا مشيخة العزّابة عندنا في المسجد. وقد جرت العادة عندنا بإنشادها والبدءِ بها في حفلة المديح التي تُقام في المسجد، في ليلة المولد النبوي.

وأبدأ ببردة الشيخ الحاج إبراهيم بن بيحْمانْ رحمه الله، وهي أشهرها وأهمّها.

من هو الشيخ إبراهيم بن بيحْمانْ الثميني ؟

يقول الأستاذ الفاضل يوسف الحاج سعيد مترجمًا له باختصار في كتابه “تاريخ بني مزاب”:

وُلد الشيخ إبراهيم بن بيحْمانْ في بني يزقن، وتتلمذ على الشيخين الجليليْن أبي زكرياء يحي بن صالح الأفضلي باعث النهضة العلمية في بني يزقن، وعلى خاله ضياء الدين عبد العزيز الثميني، صاحب الموسوعة الفقهية “كتاب النيل وشفاء العليل”.

وكان رحمه الله مؤلِّفًا وشاعرًا جليلاً وعالِمًا وحكيمًا أديبًا، له مع داي الجزائر حسن الدولاتلي في شأن باي قسنطينة مراسلات حول ضمّ مزاب إلى ولايته، وكان كاتبًا لمجلس عمّي سعيد وقتئذ، كما كانت له مراسلات مع مشايخ عُمان. توفي عام 1232هـ/ 1817م.

نشرع في الحديث عن قصيدته البردة في مدح الرسول عليه السلام وسيرته.

القصيدة من بحر البسيط، بدأها بالنسيب لكنّه حنين ونسيب بالكعبة المشرّفة والمسجد الحرام.، مطلعها:

إنّي رأَيْتُ خيالَ البيتِ والحَرَمِ

فـي ليْلَةٍ من ليالي الأشهُرِ الحُرُمِ

بِتُّ لِذاك الخيالِ ساهِرًا بِهَوًى

والجسْمُ في سَقَمٍ، والقلبُ فـي ضَرَمِ

كَفْكَفْتُ دمعي فلم تقلعْ سحائبُهُ

دَوَيْتُ قلبي فلمْ يُشْفَ من السقمِ

ثمّ تخلّص بعد أبيات من الشكوى والحنين إلى الثناء على الله وحمده وتسبيحه، والتضرّع إليه بأسمائه الحسنى، وقد قال تعالى: «وَلِلَّهِ الاَسْمَآءُ الْحُسْنَىا فَادْعُوهُ بِهَا». قائلا:

صرفتُ تلقاء مَدْيَنَ لها فَرَسي

فقُلتُ في حقّ ربّي الواحِدِ الحَكَمِ

إليْكَ حَمْدي إلهي، جَلَّ عنْ مَثَلٍ

رَبُّ الخلائقِ ذو العِزِّ والكرَمِ

إلاهُنا واجب الوُجودِ مُنْفَرِدٌ

مُخالفٌ للذواتِ دائم القِدَمِ

باقٍ عزيزٌ كريمٌ أوَّلٌ آخرٌ

بَرٌّ رؤوف لطيفٌ غافِرُ اللَّمَمِ

عَدْلٌ مُريدٌ، جليلٌ شأْنُه، مَلِكٌ

رَبّ حميد، رقيبٌ رازِقُ النِّعَمِ

ثمّ يسترسل في الموضوع، في موضوع حمد الله والثناء عليه والتضرّع إليه مورِدًا فيه حوالي 40 بيتًا. ويتخلّص من ذلك إلى الموضوع الذي لأجله أنشأ القصيدة مدح رسول الله وذكْر سيرته وأخلاقه، قائلا:

هذا وإنّ صنيعَ الله ليسَ له

حَدٌّ، فيُفْصِحُ عنه ناطِقٌ بِفَمِ

رَبّي عليك اعتمادي لا على أحد

في مدح أحمدَ خيرِ العُرْب والعجَمِ

محمّدَ بن عبد الله، خيرُ بني

عَدْنانَ جَدِّ قريشٍ سادَةَ الحَرَمِ

إلى أن قال متخلّصا إلى ذكر القرآن الكريم وبيان فضله:

نِعْمَ الرسولُ، ونِعْمَ اللهُ مُرْسلًُهُ

نِعْمَ النبيءُ نبيء الخير والكرمِ

أتاهُ جبريلُ من عند الرحيمِ بنا

بِمُحْكَمِ الذِّكْرِ والآيات والحِكَمِ

آياتُ صِدْقٍ من الرحمن مُعْجِزَة

موصوفَةٌ بحدوثِ المعنى والكلِمِ

وينهي القصيدة وقد طالت إلى مائة وستّين بيتًا بالتضرّع إلى الله قائلا:

يا نفْسُ لا تقنطي وجدّدي عملا

ولاَزِمنْ توبةً لله ولْتزمِ

فليس لي ملجأً أرحو النجاةَ به

سوى رجائي لعفوِ الله ذي النعمِ

وبالصلاة على رسول الله وصحابته وآله الكرام قائلا:

محمّد صلوات الله دائمة

عليه ما لاحَ برقٌ في دُجى الظُّلَمِ

والصحب والآل أهلِ البيتِ والخدَم

وكلِّ بَرٍّ تَقِيٍّ وافِيَ الذِّمَم

ما لاحَ بدْر وما غنّتْ مُطَـوَّقَة

وحَنَّ صَبٌّ إلى الطوافِ بالحرَمِ

هذا، وقبل الختام أنقل لكم ما قاله الشيخ في تفسيره “تيسير التفسير” عن التوسّل برسول الله والصالحين من خلقه، وقد أُثير الموضوع في الحصّة الماضية عندما أوردتُ ما قاله البصيري في بردته متوسِّلاً برسول الله، وقال أحدكم: أليس في هذا ما يخدش الإيمان بالله أنّه وحده النافع الضارّ ؟

قال الشيخُ رحمه الله بعد تفسير الآية الكريمة من سورة المائدة آية 35: «يآ أَيـُّهَا الذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَابْتَغُواْ إِلَيْهِ الوَسِيلَةَ».

ولا يُقسم على الله بأهل الصلاح ولا بأهل القبور، ولا يُتوسَّلُ بهما إلاّ النبيء صلى الله عليه وسلم، لأنّه أفضل الخلق فيجوز أن يتوسّل به إلى الله -وهذا ما عليه الجمهور- كما قال لضرير شكا إليه «توضّأ وتوجّه إلى الله تعالى بي في ردّ بصرك»، الحديث رواه ابن ماجه، ومنع بعضٌ هذا أيضا…

وطلبُ الدعاء من الحيّ جائز ولو مفضولاً كما قال صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عليه: «ولا تنسنا من دعائك»، وذلك في عمرة استأذنه فيها، وطلب من أوس أن يستغفر له، وأمرنا أن نطلب له الوسيلة.

قال الشيخُ: ولا يصحّ ما روي مرفوعًا «إذا أعيتكم الأمور فاستغيثوا بأهل القبور»، ولا يحلّ أن يقال لميّتٍ أغثني، أو افعلْ لي كذا، ويجوز أن يقول ادعُ اللهَ لي. (الجزء 4، الصفحة 24).

Categories:   ندوة الإربعاء

Comments

Sorry, comments are closed for this item.