المعجزة المقدسة الحاج الراجل – صالح ترشين
الجلسة الثانية: 02/01/2013م الموافق ليوم 27 صفر 1434هـ
إخواني السادة الحضور،
نستهلّ ندوتنا هذه السنة 2013 بإطلالة من كتاب أُهديَ إليّ في هذه الأيام من طرف الأستاذ الشاعر تِرِشينْ صالح بن عمر بعنوان: المعجزة المقدّسةُ الحاجُّ الرّاجِل؛ قصّة أو شبه رواية عن عمّنا المرحوم الحاج يوسف بوشلاغم الذي حجّ راجلا، أي مشيًا على رجليْه لتلبية نداء إبراهيم u، عندما أكمل بناء الكعبة مع ابنه إسماعيل عليهما السلام، فقال الله له:
)وَأَذِّن فيِ النَّاسِ بِالْحَجِّ يَاتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىا كُلِّ ضَامِرٍ يَاتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ( (سورة الحجّ: 27). يقول مؤلّف الكتاب في ص15-19:
التّخطيط
مكّة، الكعبة، زَمْزَم، الصَّفا والمروة، حُلم لطيف مشوّق بدأ يرسخ في ذاكرته ويتكرّر باستمرار ! هل من الممكن أنْ يصبح الحُلم حقيقة ؟ هل يمكن أن يتحوّل الخيالُ إلى الواقع ؟
قد يكون هذا الحلم إلهامًا إلاهيًّا، ونداء الخليل u إلى الساكن في هذا الفجّ العميق؟
الحاج يوسف يتميّز بالطموح والقوّة والشجاعة وحبّ الاطّلاع وحبّ المغامرة !
الحجّ! حجُّ بيتِ الله الحرام، كلمة خفيفة على اللسان ولكنّها ثقيلة في الميزان، الحجّ يحتاج إلى مال وزاد ورفيق…وصحّة ورُخصة!
أين المال؟ أين الزاد؟ أين الرفيق؟ وأين الرخصة؟
واصل الحاج يوسف في هذا التفكير إلى أن دخل الشقّة التي كان يسكنها في العاصمة، وذهب مباشرة إلى المصحف الشريف وفتحه في سورة الحجّ وفي الآية الكريمة رقم 27: )وَأَذِّن فيِ النَّاسِ بِالْحَجِّ يَاتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىا كُلِّ ضَامِرٍ يَاتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ(.
يأتوك رجالاً! لِمَ لا! قد أنعم الله عليّ -والحمد لله- بالصحّة الجيّدة، والصبر الجميل؛ الشوق إلى تلك الأماكن الطاهرة أصبح في تزايد مستمرّ!
لكن الوصول وبسلامة إلى تلك البقاعِ المقدّسة ليس من السهل بمكان، يجب أن أقومَ بتخطيط محكَمٍ ومدروس؛ يجب الجلوس إلى ذوي الخبرة، لأخذ المعلومات الكافية! لكن مع من؟
الاستخارةُ في هذا الموضوع ضرورية.
توضّأ الحاج يوسف وصلّى ركعتيْن، ثمّ دعا اللهَ وطلب منه الهداية إلى الطريق المستقيم وإلى مُبتغاه.
العلامة واضحة، تحثّه على العزم والاتّكال على الله )إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ(.
لا داعي لإخبار الزملاء ولا حتّى العائلة، من باب “استعينوا في أموركم بالكتمان”!
الرحيل والتغيير سيكون بهذا الحجّ الذي أرجوه مبرورًا وبذنبٍ مغفورٍ وسعْيٍ مشكورٍ بحول الله.
آلاف الكيلومترات، تَحُول بيني وبين هذا الهدف السَّامي، والفرجِ المنشود: مخاطر الطريق، الحدود، جواز السفر، الرُّخصة؛ هذه الرخصة التي “تَتَفضَّلُ” بها الإدارة الفرنسية بشيء من الكبرياء والتقتير.
الحاج يوسف يأبى الانبطاح أمام هذا الاستعلاء !
– إذا تحصّلتُ على الرخصة من “الفُوقاني” فلا أحتاج إلى رخصة “التَّحْتاني”! كما قال.
الخريطة لأستدلَّ بها على الطريق وأَجِدُ ضالّتي هي في السماء: )وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ(.
أَمْنيرْ (النطاق)، اِسَرْغِي (الشعراء)، النجمة القطبية، وغيرها من النجوم والكواكب ستكون المرشد الأمين، خصوصًا أنّ حاجَّنَا له دراية بعلم الفلك التقليدي، وستكون له خيرَ مؤنس، خصوصًا في الليالي الحالكات.
المال ! “الفرنكات” التي جمعها بعد عمله مع السيّد “جان” ومن الميناء، قد تكون كافية، خصوصًا أنّ السيْر على الأرجل لا يكلّف صاحبه إلاّ اللباس المناسب والحذاء الجيّد والمريح… والزاد.
الزاد ! التمر والماء وشيءٌ من الشاي الأسود وتَزَمِّيتْ (أُكلة مصنوعة من التمر والقمح المحمّص).
نعم التمر! التمر قبل وبعد ومع كلّ شيء! “ابْلادْ النَّخْلَهْ عْمَرْهَا ما تَخْلاَ” كما كان يردّد دومًا الحاج يوسف وهو يحثّ الشباب والفلاّحين على الاعتناء بهذه الشجرة المباركة، كما اعتنى بها الأوائل رحمهم الله؛ فواحة النخيل توفّر التغذية الكاملة، والهواء النقيّ الصافي -فهي بمثابة الرئة في الجسم-، كما ترسم لنا لوحتها الفنيّة الرائعة، وتفتح لنا صدرها للراحة والاستجمام وتوحيد البارئ المصوّر!
جمع الحاج يوسف معدّاته ونزل مسرِعًا في اتّجاه الشرق الجزائري، فالتقى بزميلٍ له في الطريق، فسأله باللهجة العاصمية:
– أَ يوسف وِينْ راكْ رايَحْ هَكْذا، يا خُو ؟!
فأجابه بكلّ عفوية: لبّيك اللهمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك !
Categories: ندوة الإربعاء
Sorry, comments are closed for this item.