موقع الشيخ طلاي

Menu

الشيخ أبو محمد جمَّال المدوني – أبو العباس الدرجيني

الجلسة الثانية عشر : 03/04/2013م الموافق ليوم 22 جمادى الأولى 1434هـ

أيّها السادة الحضور، إخواني الأساتذة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إطلالتنا هذه ستكون من كتاب قديم يحكي نموذج عن سيرة إباضية المغرب وعملهم الدؤوب لصلاح الدين واستقامته، وصلاح المجتمع وتوجيهه إلى ما يُصلح دنياه وآخرته.

أيّها الأحبّة، فكّرتُ كثيرًا في قوله تعالى عن رسله: (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ

الكتاب هو الوحيُ الإلهي المتضمّن للشريعة وعبادة الله تعالى بفعل الواجبات وترك المنهيات؛

والحكمة ما هي ؟ أو هو نفس الكتاب ؟

وقال عن رجل صالح في الأقدمين: (وَلَقَدَ ـ اتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ).

وقال تعالى عن الحكمة ومَن أوتي الحكمة: (وَمَنْ يُّوتَ الْحِكْمَةَ فَقَدُ اوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا).

وقد قيل عن الحكمة وعن تعريفها الكثير، وأجمل قول وأحسنه هو: الحكمة هو حُسْنُ التصرّف، وحُسنُ مواجهة القضايا، ولباقة التصرّف إزّاءها بحكمة ورويّة وتَبَصُّرٍ.

وإطلالتنا ستكون عن رجل عالم وقور، أوتي قسطا كبيرًا من الحكمة والتبصّر، قولاً وعملاً، لا قولاً فقط. وما أكثر مَن يقول ولكن يخونه العمل والحركة النبيلة، ويعجز عن العمل ويكتفي بالقول.

يقول الشيخ أبو العبّاس أحمد بن سعيد الدرجيني رحمه الله في طبقاته، ج2، ص162.

الشيخ أبو محمد جمَّال المدوني

ومنهم أبو محمد جمَّال المزاتي المدوني رحمه الله، بقية الأسلاف، المتلافي سيرهم حين التلافي، الشامل لما أشرف على البتات، المؤلف للجمع بعد ما صدر الأشتات. تدارك المريض فأقامه، وقد أراد أن يَنقَضَّ فردَّه إلى أحسن حاله، وعالجه بحسن رأيه وإِيَّادَتِهِ، فالممسك فيه به اقتدى، وهو من السُّبَّاقِ في العلم والورع والندى، وله في معاملاته أمور سنية، وأحوال مرضية.

[ يختلفان لأجل كتاب فيفصل بينهما الشيخ ]

ذكر أبو الربيع أنَّ رجلا من مزاتة قارض رجلا بمال فكان يتجر به، فبينما هو ذات يوم في بعض شؤونه، إذا بكتاب تفسير القرآن لهود بن محكم الهواري يعرض للبيع، فاشتراه وجاء به إلى ربِّ المال، فقال له: إنِّي اشتريت هذا الكتاب وهو لي دونك، وإنَّما لك رأس المال، فقال له رب المال: بل هو لي دونك، وإنَّما لك نصيبك من الربح، إن كان في متجرك ربح.

فتخاصما وتشاتما، حتَّى قامت مع كلِّ واحد عشيرته متعصِّبة، وتآمروا على القتال، وتواقف الفريقان وقد أشرفوا على أن يتفانوا.

فبلغ ذلك أبا محمد جمالا، فجاء مبادرا، فقال: إيتوني بالكتاب الذي أراكم تريدون أن تقتتلوا عليه، فأتوه به ففتح وقصد موضعا منه، فإذا بين النصفين ورقتان بيضاوان، ففصل ما بين النصفين، وضمَّ إلى كلِّ نصف ورقة بيضاء، وقطعه بسكين وأعطى لكلِّ واحد من الخصمين نصفا، وقال: من شاء منكما الآن إكمال الكتاب المذكور فلينسخ النصف الذي فاته فاصطلح الفريقان، وافترقا على خير.

وزعم بعض الناس أنَّ منتسخ الكتاب المذكور تفرَّس أو كُشِفَ أنَّ أمره يؤول إلى تفرُّق بالحديد، فاحتاط عليه، وترك ورقتين غير مكتوبتين، وهذا الذي زعموا لا حاجة بنا إليه، وإنَّما المقصود ما ذكرناه من بركة هذا الشيخ، وحسن سياسته.

[ يشحُّ على نفسه وعياله، فيطعمه الشيخ قسرا ]

وذكر أن أبا محمد جمَّالا، كان في جواره رجل من أهل البادية في سنة مجاعة، وللرجل صرمة، وقد أضرَّ به الجوع، وشُحُّه المطاع مانعه أن ينحر منها ناقة، فيطفىء سغب نفسه وعياله، فبلغ ذلك أبا محمد فجاءه فوجده في خيمة لا حركة له من ألم الجوع، فقام أبو محمد احتسابا في الرجل وفي يده حربة، فدخل في إبله فعمد إلى ناقة كوماء لم ير في إبل الرجل أحسن منها، ولا أسمن منها، يريد أن ينحرها، فرآه صاحب الإبل، فقال: لعلَّ غيرها يا أبا محمد؟ فأبى إلاَّ تلك التي قصد إليها، فنحرها بحربته، فلمَّا نحرها قال لهم: قوموا، وكلوا، فلمَّا أصبح أغارت عليهم غارة، فاكتسحت إبل الرجل، فلولا أنَّ الله U لطف بهم ببركة الشيخ لماتوا جوعا. قيل: تبلَّغوا بشحم الناقة ولحمها، وسدوا فاقتهم حَتَّى انقَضَت تلك السنة الشديدة.

[ على العالم أن ينظر للجاهل ما يصلح به ]

وذكر أنَّ عاملا خرج على عشيرة أبي محمد من قبل السلطان، فكان هذا العامل يماكسهم، ويشدِّد عليهم، فلمَّا كان يوما من الأيام قال لهم العامل: إن أعطيتموني اليوم كذا وكذا مضيت عنكم، وإن بت الليلة ضاعفت عليكم، وكلَّما بت ضاعفت، قيل: فلم يدفعوا له شيئا، ولم يعبأوا بقوله، فكان يضاعف عليهم.

فلمَّا رأى أبو محمد أنَّ العامل يضاعف عليهم الغرامة كلَّ ليلة، ورأى قومه غير مكترثين به حماقةً، وخرقًا لا قُدْرةً وعزًّا، قال للعامل وخدامه: قفوا على ترع الأحياء، ولا تتركوا مالهم يسرح، فلمَّا رأى أصحاب الأموال ماشيتهم يأكل بعضها بعضا جوعا، أدوا إلى العامل ما لزمهم، وانصرف فجعل جهَّالهم يطعنون في الشيخ، ويعيبون فعله، حتَّى قال قائلهم: ما هذا إلا معونة الظلمة الفجَّار، على الضعفاء والمساكين. فقال لهم أبو محمد: لله على العالم أن ينظرَ لِلجَاهِلِ ويُدِلَّه على ما فيه سلامة دينه ودنياه.

Categories:   ندوة الإربعاء

Comments

Sorry, comments are closed for this item.