موقع الشيخ طلاي

Menu

الشيخ أبو خزر يغلى بن زلتاف – الدرجيني

الجلسة الثالثة عشر : 10/04/2013م الموافق ليوم 29 جمادى الأولى 1434هـ

أيّها السادة الأعزّاء، إخواني الحضور، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

وعدتكم في الحصّة الماضية أن أحدّثكم عن رفيق أبي محمّد جمال الشيخ المجاهد أبو خزر يغلى بن زلتاف.

رجل مجاهد لا يرضى بالهوان والقهر من طرف الجبابرة الطغاة، وخاصّة الذين يريدون أن يفرضوا آراءهم وسياستهم على كلّ مَن لم يرض برأيهم وسياستهم.

ومن هؤلاء حكّام الفاطميين وأمراؤهم، وقد عانى الإباضية في شمال إفريقيا منهم الأمرّين، وهم الذين قضوا على الدولة الرستمية المسالمة لعلماء الفِرق الإسلامية، ولا يرى أمراؤها التعرّض وإيذاء مَن خالفهم من المسلمين إذا لم يتعرّضوا لهم.

يتحدّث صاحب كتاب طبقات المشايخ عن أبي خزر عندما رأى أبو تميم المعزّ لدين الله الانتقال إلى القاهرة، وقد أنشأ هذه المدينة وهيّأها لتكون مركز الدولة الشيعية الفاطمية في تلك العهود.

يقول في الجزء 1، صحيفة 139: [ قصَّة انتقال المعز إلى القاهرة وأبي خزر معه ]

ولمَّا تواترت الكتب على السلطان من جهة المشرق لصالح مصر والشام والحجاز، وإقامة الدعوة له بها، سرَّه ذلك واستبشر، وأخذ في تهيئة الخروج، فخرج بأهله وعساكره وبيوت أمواله، وعزم على استصحاب الشيخين أبي خزر وأبي نوح خوفا أن يكون منهما بعده في المغرب خروج عن طاعته وقيام عليه، ولكونه أيضا لم يرد مفارقتهما، فكلَّمهما في ذلك ليأخذوا في أهبة السفر، فأمَّا أبو خزر فقال: كيف بالمقام بعدك والقعود عنك؟ وأمَّا أبو نوح فكره ذلك، وكان عند أبي تميم رجل يهودي، يعرف فضل أبي نوح ويتخدم له ويجدُّ في حاجته، فعلم ما عنده من كراهية المسير فنصحه اليهودي، وقال: «تمارض وانقع نخالة الشعير واشرب من مائها، واغسل به وجهك، فإنَّ حالك يتغير، ويظن من يراك أنَّك مريض»، فحين عزم أبو تميم على الحركة سأل عن أبي نوح، فأعلم أنَّه مريض فاستدعاه فأحضر، فلمَّا رآه مصفر الوجه متغيِّر الحال، ظنَّ أنَّه مريض فأذن له في المقام، فأقام مدَّة تأهُّب أبي تميم للحركة حتَّى ارتحل ولم يسأل عنه في أثناء هذه المدَّة، فارتحل أبو نوح إلى جهة وارجلان، وسيأتي ذكر ذلك إن شاء الله إذا فرغنا من أخبار أبي خزر.

[أبو خزر ينتقل مع المعز إلى القاهرة]

واجتاز أبو خزر في طريقه إلى المشرق بلماية فبالغوا في إكرامه وإبراره، وأفرطوا في إعظامه وإكباره، وتمنَّوا أن تكون عندهم مقامته، وساءتهم مسيرته مع من لا ترضى إمامته، فأثنى عليهم وشكر ما هم عليه من حسن الطريقة، وقال: «هؤلاء أهل الدعوة على الحقيقة» وختم بعد جميل الثناء ببركة صالح الدعاء.

وبلغنا أنَّ أبا زكرياء فصيل بن أبى مسور رحمه الله خرج من جربة حين سمع بمسير أبى خزر إلى المشرق يريد وداعه ويسأله عن مسائل في مهم دينه اشكلت عليه ولم يجد بدًّا من الانتهاء فيه إليه، قال أبو زكرياء: فسألته عن ثلاث مسائل فأجاب في جميعها بما يسرني فودَّعته وأودعني لوعة فراقه.

وسار أبو خزر مع أبي تميم فلم يزل معه ملحوظا بعين الكمال مقابلا بالاحتفاء والاحتفال، وأصحاب أبي تميم يلمزون أبا خزر ويطعنون فيه ويحسدونه في تفضيله عليهم، وإيثاره دون خواصه ممن يصطفيه.

وبلغنا أنَّه سار ذات يوم ومعه أبو خزر يسايره إلى أن اعترضهم زرع فَشَقَّ أبو تميم الزرع ومعه أصحابه إلاَّ أبا خزر. فإنَّه عدل عن الزرع جانبا حتَّى استدار إليهم من خارج الزرع فأمكنتهم الفرصة في أبي خزر وطعنوا فيه عند أبي تميم. قالوا له: ألا ترى أنَّه عدل عن طريقك ولم ير إتباعك عليه؟ فأقبل إليه بعد ما قالوا فيه ما قالوا، فقال له أبو تميم: مالك يا «يغلى» لم تصاحبنا على طريقنا؟ أم أنت غير راض بطريقنا؟ فقال: وكيف لا أرضى بطريق مولانا؟ قال: فمالك لم تتبعني حين سلكت في الزرع! قال: بالخبر المأثور: إنَّه إذا سقطت الثريا فلا يدخل الزرع إلاَّ ساقيه أو ناقيه أو واقيه، فأنا لست بأحدهم فكيف ينبغي لي دخوله؟ وأمَّا أنت فواقيه فذلك لك. فأعجبه حسن جوابه، وقال لأصحابه: ألم أقل لكم: لا تقولوا في يغلى إلاَّ خيرا؟ والآن فقد أعذرت إليكم، فمن وقع فيه بشرٍّ فلا يلومنَّ إلاَّ نفسه.

[بعض علماء مصر يختبر أبا خزر]

ولمَّا دخلوا مصر تسامع علماء مصر بخبر أبي خزر واشتهر فيهم فاضطربت الجهات بذكره واشتهر عندهم أنَّ أبا تميم وصل بعالم المغرب، فأرادوا امتحانه ليعرفوا مبلغ علمه. فكلُّهم شاحد غربه ومُفَوِّق سهمه، فأجمعوا أن يحضروه على طعام وتكون المناظرة بعد تناولهم إياه.

قيل، وكان ممَّا عزموا عليه أنَّه إذا حضر الطعام وحضر أبو خزر وضعوا أيديهم في الطعام ورفعوها قبل استفاء الحاجة فإن هم رأوه رفع معهم، حين يرفعون علموا أنَّه يُفحِمُ وأنَّه يغلب عليه الوهم، وإن هم رأوه متماديا على الأكل حتَّى يستوفي منه حاجته علموا أن لا قبل لهم به.

فلما حضر الطعام وحضر الشيخ جعل كلُّ واحد منهم كلَّما تناول قليلا رفع يده قبل الاستكفاء، فلمَّا رأى الشيخ ذلك منهم قال: «ما بهذا الأكل احمرت وجوهكم». ثمَّ جمع نفسه وأخذ في الأكل من غير احتشام ولا ارتياب، حتَّى اكتفى منه، فحين رأوه لا يقف عند الوهم أمسكوا عن مناظرته وألقوا السلم دون كفاح.

Categories:   ندوة الإربعاء

Comments

Sorry, comments are closed for this item.