الجزائر ليست للبيع – الدكتور محمد بباعمي
الجلسة السابعة عشر: 25 أفريل 2018م الموافق لـ: 8 شعبان 1439هـ
أيّها السادة الأعزّاء، روّاد المكتبة الثقافية، إخواني الفضلاء، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته؛ طبتم وطاب مسعاكم.
حديثنا في هذه الجلسة سيكون مُقْتَبَسًا من مجلّة البصائر من مقال للدكتور محمّد بن موسى باباعمّي في موضوع شهداء الطائرة العسكريّة ببوفاريك، بعنوان: الجزائر ليست للبيع، تحيّة إلى الذين استشهدوا فأحيوا الوطن والتاريخ.
يقول عن لسان قائد الطائرة المقدَّم دوسن إسماعيل من القبر:
«هذه رسالتي إليكم جميعا أيّها الأحبّة من أبناء بلدي؛ هي رسالة من قبري، لا أنتظر منها )جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا(، ولا أرجو بها نفعا ولا أخشى منها ضررا؛ هي -إذنْ- رسالة صادقة لاشِيَةَ فيها؛ وفيها أقول لو تسمعون:
نؤكّد لكم تأكيدا لا يقبل الشكّ، إنّ الجزائر “ليست للبيعّ، وهي «ليست معروضة في المزاد العلني».
ونعلنها صريحة: إنّ من اتّخذ دماءنا متجرا لمآربه الخاصّة، ولأغراضه السافلة، حزبية كانت أم اقتصادية، إعلامية كانت أم دِعائية، عشائرية كانت ّأم دينيّة؛ مَن فعل ذلك فهو العدوّ اللدود لنا وللجزائر من شرقها إلى غربها، من شمالها إلى جنوبها.
فلا تخونوا أرواحنا كما خان بعضُ الناس أرواحَ شهداء الثورة يومها؛ فهلاّ وعيتم، وهلاّ تعقّلتم.
إننّا نهيب بكم أن لا تخسروا فرصةً لنجاة وطننا، وأنتم على طريق الربح، فإنّ الغبيّ والمغبون مَن خسر وهو يملك جميع أسباب الفلاح…
ثمّ إنّ أرواح شهدائنا تقول لنا جميعًا، وعلى متن الطائرة أبناءٌ لنا من جميع المشارب والمآرب: إنّ مصيركم واحد لو تعلمون، ودينكم واحد لو تفهمون، ووطنكم واحد لو تعقلون.
فسبحان الذي يأخذ القليل ليخلُف بالكثير، ويبتلي من يريد )لِيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ(، وهو القائل، جَلَّ مِن قائل: )لَئِنْ شَكَرْتُم لأَزِيدَنَّكُمْ(، )وَلَئِنْ صَبْرْتُم لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ(.
وفي نفس الصحيفة، صحيفة 10 من العدد المؤرّخ في: 29 رجب 6 شعبان/ 16-22 أفريل، للدكتور طه كوزي عن لسان قائد الطائرة الشهيدة بمن فيها:
«آثرتُ أنْ أدفن الطائرة في قلب “مَتِّيجَة” وسهولها؛ لأذكِّرك أنّ خلاصك في أرضك وخيرات وطنك. فأنا قرّرتُ أن أستحيل ذبالاً وموادا عضوية تزيد “متيجة” خصوبة وإخصابا، لتفلحوا وتثمروا؛ أمّا إنْ تركتموها عذراء موحشة، أو استبحتم عِرضها إسمنتا وحديدا، فإنّكم قد ترحّمتم علينا حين متنا، لكنّكم لم ترحمونا بعد موتنا. فإن رفضتم دماءنا التي سقينا بها هضاب “متيجة” ومزارع الفول هناك لتزداد خصوبة؛ فقد رددتم علينا هديّتنا وصدقتنا الجارية؛ ولن تزدادوا بعدنا إلاّ استهلاكا لِما يثمره لكم غيركم وأعداؤكم. واعلموا ببساطة أنّ إدمانكم على الاستهلاك طلبٌ للهلاك.
لقد رحلنا عن الدنيا فوق سماء “متّيجة”، ونحن مُيَمِّمون شطر “تِنْدوف”، لنخلّد في أذهانكم ربوع الجزائر؛ ونرسم في عقولكم حدودها؛ ونرسم أمام ناظريكم جمالها وشساعتها؛ لنذكّركم أنّ للجزائر جنوبا. فكم من عَلَمٍ وعالِـم استنطقوه ليقبل بتقسيم الوطن، لكنّه رفض وانتفض؛ من الشيخ بَلَّكْبيرْ إلى الشيخ بَيُّوضْ. لكن أجيال اليوم ارتضت مشروع تقسيم الجزائر إلى شمال وجنوب، وشرق وغرب بجهلها وضيق أفقها وفكرها الجهوي الزقّوم. لقد رحلنا عن الدنيا لنرسم لكم خطّا جويا من “بوفاريكْ” إلى “تِنْدوفْ”، ولنرسم بدمائنا وجثثنا المتفحّمة خطوط الطول ودوائر العرض في هذا الوطن، ولِنَصِل رَحِمًا أريد له أن يتقطّع ويتفتّت…».
وفيما يلي بعض الأسئلة والانطباعات:
- المقالان يعبّران عن عمق الاستياء عن انحسار الروح الوطنيّة التي تعاني منها الجزائر.
- إنّ درجة اليأس التي بلغها بعض الشباب الجزائري ليدعو النخبة من سياسيين ومفكّرين -أكثر من أيّ وقت مضى- إلى تحمّل مسؤولياتها الوطنيّة والحضاريّة.
حسنًا فعل الدكتوران؛ فهي رسائل صريحة ومشفّرة إلى كلّ وطنيّ غيور على مستقبل بلده، عسى يستيقظ الضمير ويصحو من غفوته.
Categories: المقالات و دروس الوعظ
Sorry, comments are closed for this item.