موقع الشيخ طلاي

Menu

التجنيد الإجباري والميزابيين

جلسة يوم  14/12/2011م الموافق ليوم 19 محرّم 1433هـ

إخواني السادة الأساتذة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

إطلالتنا في هذه الليلة ستكون من الكتاب القيّم “تاريخ بني مزاب“، للأستاذ البحّاثة يوسف الحاج سعيد.

والموضوع سيكون امتدادا لحديثنا في الأسبوع الماضي، عن المحن المتعدّدة التي انجرّت إلى منطقتنا بالخصوص والجزائر الحبيبة عامّة.

وقلت لكم عندما تعرّفنا لمحنة التجنيد الإجباري أنّها أعظمها وأمسّها بحياة المسلم الموفّي بدين الله، وأشدّها أثرا في نفوس الشباب الدينية والخلقية.

هذا وقد اخترتُ إطلالتنا على هذا الموضوع الخطير ممّا كتبه الأستاذ الحاج سعيد يوسف عن هذه المحنة في كتابه “تاريخ بني مزاب“، الصفحة 216 وما بعدها.

«المادّة الثامنة من قرار 3 فيفيري 1912 بيّنت كيفية تجيد الأهالي الجزائريين في بلديات التلّ، وعدّلتها المادّة الأولى من قرار 28 نوفمبر 1913 القاضية بتسجيل الأهالي البالغين 19 عاما غير المولودين في تلك البلديات والقاطنين فيها أكثر من سنة في قوائم المجنّدين في هذه البلديات.

منذ صدور قرار 3 فيفري 1912 في الجريدة الرسمية الملقّبة بالمبشّر يوم 2 مارس 1912 وقبله، وبنو مزاب يحتجّون ضدّ التجنيد الإجباري لشبابهم العاملين بالتلّ، وفي 23 فيفري 1912 بعثوا شكايات إلى كلّ من كومندان غرداية، والوالي العامّ، ورئيس الحكومة، ورئيس مجلس الوزراء، تبعها تقرير إلى رئيس الحكومة يوم 8 جوان 1912 يشرح أسباب رفض التجنيد التي تتلخّص أوّلا في تعارضه مع الدين الإسلامي ونتائجه الاقتصادية السيّئة على بني مزاب، ومخالفته لبنود معاهدة 1853.

اجتمع أعيان جماعات بني مزاب في التلّ من العمالات الثلاث واتّفقوا على إرسال وفد عنهم إلى باريس، لطلب إعفاء بني مزاب من التجنيد العسكري، وأطلقوا له التفويض التامّ. ضمّ هذا الوفد حاج أحمد بن حمو بوجناح، يحي بن قاسم، زكرياء بن سعيد، الحاج بكير بن الحاج قاسم بن الشيخ بالحاج. كان ذلك يوم 10 من ذي الحجّة 1330هـ (20/11/1912م)، انضمّ إلى الوفد بعد ذلك الحاج يوسف بن الناصر.

وصلوا باريس يوم 26 نوفمبر، ورجعوا إلى مرسيليا يوم 5 ديسمبر في طريق عودتهم إلى الجزائر.

في 11 جويليه 1913 استدعى الكومندان المكلّف بشؤون العرب بالعاصمة، بأمر من الوالي العامّ أعضاء جماعة قصور واد مزاب السبع وأخبرهم على لسان وزير الحرب بأنّ شكايتهم مستحسنة، غير أنّ طلبهم في دفع غرامة حربية مؤبّدة مقابل التجنيد غير مقبولة.

في سنة 1914 أرسل بنو مزاب أيضا يحي بن باحمد بالولّو إلى باريس للمطالبة من إعفائهم من التجنيد رفقة يوسف بن الناصر من بنورة، وألزمتهما ظروف اندلاع الحرب العالمية الأولى المكوث بفرنسا ثمانية أشهر.

وفي سنوات الحرب العالمية الأولى استجابت جميع نواحي الجزائر بالتلّ وبأراضي الجنوب إلى نداء فرنسا، فأرسلت أعدادا من العمّال والمتطوّعين في صفوف الجيش الفرنسي، إلاّ بنو مزاب فإنّهم تمسّكوا بموقفهم الرافض للتجنيد.

وفي 1918 تقرّر التجنيد الإجباري لـ 238 شابا ضمن دفعة 1919م. امتنعت جماعات قرى مزاب من وضع قوائم التجنيد، واحتجّت مرّة أخرى برسالات مضمنة التبليغ، وُجّهت إلى عبد الله بن الحاج صالح بوكامل بالعاصمة، لتبليغها مباشرة إلى الولاية العامّة.

يوم 1 جوان 1919 اكتفت السلطات الفرنسية بمساعدة القوّاد، لتسمّي العدد المقرّر، وجنّدت بمنتهى العنف نصف العدد تقريبا، أمّا الباقي فقد اختبأوا في مدن مزاب وفي مدن التلّ، واعتُبروا متمرّدين. عندئذ قام الشعب بمظاهرة سلمية في بوزيزة أمام مقرّ الحاكم العسكري في غرداية. أمّا ردّ الحاكم العسكري على المظاهرة فإنّه بعث بتقرير شديد اللهجة إلى الوالي العامّ آبيل يعلن فيه تمرّد بني مزاب المسلّح وعصيانهم لفرنسا، فاستشاط الوالي العامّ غضبا، فأرسل من توّه فرقة من السنغاليين لاحتلال واد مزاب بقوّة السلاح، هنا ذهب يحي بن قاسم باعامر إلى بوسعادة، اجتمع بابن عمّه سليمان بن إبراهيم فأبلغه الخبر الخطير فأسرعا إلى الحاج نصر الدين ديني، وهو فرنسي أسلم زميل الوالي العامّ في الدراسة، وصديق سليمان باعامر. فأبرق الحاج نصر الدين إلى الوالي العامّ أن يوقف الفرقة ريثما يتّصل منه بتقرير في الموضوع، فأبرق الوالي إلى ثكنة بوغار لإيقاف الفرقة وإرجاعها إلى المدية.

ثمّ إنّ الحاج نصر الدين أطلع الوالي على حقيقة الأمر والمراد من المظاهرة السلمية، وأُحضرت صور فوتوغرافية للمظاهرة، أخذها بعض السوّاح من فندق المقابل لبوزيزة، فكانت أصدق شاهد على استفزازات الحاكم لشعب مزاب. وطُرد هنا الحاكم العسكري كابيتان والي من مزاب مع الكولونيل مارْتانْ من الأغواط.

توالت الاحتجاجات ضدّ التجنيد الإجباري إلى أن قدّم وزير الحرب إلى الوالي العامّ يوم 12 ماي 1920 تقريرا يصرّح فيه أنّ المزابيين رعايا فرنسيين مثل غيرهم من الجزائريين وأنّهم ملزمون بالتجنيد. وفي 5 مارس 1921 أصدر مرسوما يبيّن شروط تطبيق التجنيد الإجباري للأهالي في أراضي الجنوب.

إنّ آخر من بقي يطالب فرنسا بإلغاء التجنيد الإجباري هي الأمّة المزابية، فقد انتدبت السيّد عمر بن عيسى حاج امحمّد وكيلا مفوّضا للدفاع عن قضاياها سنة 1930، ولم يتمّ إلغاء التجنيد الإجباري للجزائريين إلاّ يوم 6 فيفري 1947 بقرار من الوزير المفوّض الوالي العامّ للجزائريين شاتينيو.».

Categories:   ندوة الإربعاء

Comments

Sorry, comments are closed for this item.