الأخوة في الله
الجلسة الثلاثون: 17/10/2012م الموافق ليوم 1 ذي الحجّة 1433هـ
ورد علي سؤال هذا نصه
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. فضيلة الشيخ:
أشْكَلَ عليّ بعض الأمر في موضوع فأردتُ سؤال حضرتكم، والموضوع هو:
الأخوّة في الله واجبة لكن ! هل يمكن التحدُّث عن أخوّة في الله بين شابّ وفتاة (أجنبيان غير مَحرمان)؟؟؟ أي هل هذه العلاقة مقبولة شرعا؟؟ فإن كان الجواب بالإيجاب فما حدود هذه العلاقة؟؟ وما ضوابطها الشرعية؟؟ وهل مشاركة كلّ طرف للآخر مجريات حياته الشخصية، العلمية والمهنية (تجارب، أحزان، أفراح، يوميات…) يُعدّ مقبولا؟؟ ثمّ هل يُعتبر التحدّث بينهما هاتفيا خُلوة؟؟؟ وإن كان للمكالمات الهاتفية ضوابط فما هي؟؟ أي بصيغة أخرى ما المواضيع التي يَحظُرُ عليهما مناقشاتها؟؟ (باعتبار المُباح أوسع من الحرام).
هذه مُجمل أسئلتي، وأنا ألتمس من حضرتكم جوابا شاملا لكلّ جوانب الموضوع إن أمكن.
ولكم الشكر سلفا، والسلام عليكم.
بسم الله الرحمن الرحيم
بعد ردّ التحيّة بمثلها وأحسن منها، أقول لكِ: لقد أحسنتِ صنعًا عندما توقّفتِ عن إشكالاتكِ وهداك الله ووفّقكِ إلى السؤال عن حكم الشريعة فيها.
والحقّ أنّ أسئلتك كلّها تدور حول تعامل الرجل والمرأة وهما أجنبيان عن بعضها بواسطة الإعلام الآلي وما ينتمي إليه؛ ولمعرفة حكم الشريعة في التخاطب والتحاور بواسطة هذه الآلة الحديثة بين الرجل والمرأة وهما أجنبيان عن بعضهما بعضا، نرجعُ إلى كلام الله تعالى وتوجيهاته لهما بغير هذه الآلة، فما بالكم بهذه الآلة الحديثة،
يقول الله تعالى في سورة الأحزاب: (فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا(32)).
ولو أنّ الآية خاطبت نساء النبيء فالحكم عامّ لكلّ نساء المؤمنين بالإجماع.
وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَّرَآءِ حِجَابٍ ذَالِكُمُ, أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ).
وقال عليه السلام: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمّام إلاّ بمئزر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يُدخل حليلَته الحمّام، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد إلى مائدة يُشرب عليها الخمر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلونّ بامرأة ليس معها ذو محرم منها، فإنّ ثالثهما الشيطان». (رواه أحمد في سنده، رقم الحديث: 14124، والترمذي في سننه، رقم الحديث: 1091).
نتوقّف عند قوله عليه السلام: «فإنّ ثالثهما الشيطان» والله يقول: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا)، وإذا كان الشيطان معكما حاضرا وأنتما تتكلّمان بانفراد لا تأمنه عليكما، والعدوّ دائما عدوّ ولا ينبغي أن يؤمن.
ونتوقّف عند قوله تعالى: (فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا)
ولكي نضع النقاط على الحروف كما يُقال، أعود لبعض أسئلتك: الأخوّة في الله واجبة، وهل منها التحدّث مع شاب وفتاة؟
لا أتصوّر الأخوّة في الله إلى حدّ التحادث مع شابّ وشابّة إلاّ في إطار ضيّق جدّا، كالتعليم أو النصح أو التنبيه إلى خطأ، وهذا لا يُعتبر أخوّة، وكلمة أخوّة لها ظلالها: محبّة، انفتاح القلب، الاطمئنان، وقد قيّد الله ذلك بقوله تعالى -الذي خلق النفوس ويعلم ما يجول في النفوس-: (وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا)، وجوابه هذا يغني عن سؤالك:
هل هذه العلاقة مقبولة شرعًا ؟ فإن كانت مقبولة فما ضوابطها؟
عودي إلى نفسك تتجلّى لك ضوابط ذلك؛ وقد درّستُ في ثانوية للبنات 13 سنة، وكنّا معشر الأساتذة الملتزمين بآداب الإسلام لا نسمح لأنفسنا أن يبقى الواحد منّا في القسم مع بنت منفرديْن، وإن اضطرّ إلى ذلك كالامتحان مثلا، نطلب لبنت أخرى تجلس معها حتّى تسلّم ورقتها أو تنتهي من سؤالها، مَن لا يفعل ذلك من الأساتذة يُعتبر شاذّا لا يحترم نفسه.
لننتقل إلى سؤال آخر: هل مشاركة كلّ طرف للآخر مجريات حياته الشخصية: العلمية، المهنية، أفراح، أحزان، يوميات…الخ.
لا يا سيّدتي هذا ليس من القول المعروف، بل أخاف أن يكون من قوله تعالى في سورة النمل: (وَزَيـَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ(24)).
عودي إلى نفسك مرّة أخرى وفكّري جيّدا ماذا يحدث أو أيّ أثر يبقى في نفس الرجل أو المرأة التي كانت تتحدّث معها في الهاتف النقّال وهو غير متزوّج، أو هي غير متزوّجة فتزوّج أو تزوّجت؟
تقولين أو تقول ينسى ذلك، وهل كلّ الناس يضبطون أنفسهم؟ وهل نستطيع دائما التحكّم في عواطفنا مع مَن كنّا نقول له كلَّ شيء ويقول لنا كلّ شيء على أساس الشكوى أو الاستشارة أو، أو…سوف يبقى أثر ذلك ولا بدّ.
هذا بالنسبة لغير المتزوّجين، أمّا إذا كان أحدهما متزوّجا أي مشغولا بغيره معاهدًا له، فإنّي أرى ذلك انقلابا للأوضاع الاجتماعية وفتحًا لفتنة عظيمة نحن في غنى عنها، ومنزلقا خطيرا للحياة الأسرية.
حتّى القواعد من النساء اللاء أباح الله لهنّ أن يخرجن سافرات بغير زينة، حيث لا تخشى الفتنة منهنّ، قال الله لهنّ: (وأن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ).
نعم، يوجد في كتب السيرة أنّ الرجال أو الرجل أحيانا يقصد عجوزا مُسِنَّة عاقلة يسألها أو يستشيرها في قضية هي أعلم بها من غيرها من الرجال، ولكن شتّان بين هذا وذاك.
وأخيرا، ما الذي يلجئك أيّها العاقل أو أيّتها العاقلة إلى هذا ؟ ربّما نقول:
مجرّد متعة؟ مجرّد لَهو؟ مجرّد إيناس وإزالة للوحشة؟
فليكن ذلك للنساء مع النساء، وللرجال مع الرجال، ونقف عند حدود الله.
والنفس كالطفل إن تهمله شبّ على حبّ الرضـاع وإن تفطـمه ينفـطم
Categories: ندوة الإربعاء
Sorry, comments are closed for this item.