واحات قرى ميزاب
جلسة يوم 21/12/2011م الموافق ليوم 26 محرّم 1433هـ
أيّها الأساتذة، أيّها الحضور الكريم، إخواني محبّي الثقافة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إطلالتنا في هذه الليلة ستكون من كتاب للشيخ الحاج إبراهيم قرادي، بعنوان: رسالة في بعض أعراف وعادات وادي مزاب، تقديم وتحقيق الأستاذ يحي بن بُهون حاج امحمّد، نشر جمعية النهضة بالعطف، بتاريخ 2009م.
وقد سبق لنا أن اقتبسنا منه بعض مواضيع؛ عنوان الموضوع: كيف أنشئت آبار الواحات حول قرى مزاب، صحيفة 42.
والذي ذكّرني أو دفعني إلى هذا الموضوع أنّ جامعية زارتني في الأسبوع الماضي، تحضّر شهادة دكتوراه في الهندسة المعمارية الريفية، أي مساكن الغابة، فقلتُ لها: إنّ الغابة عندنا أو الريف ليس فيها مساكن بأتمّ معنى الكلمة حتّى تبحثين في هندستها، بل هي شبه مساكن أو حضيرة من الطوب تُبنى لوقت الحاجة، ثمّ يهجرها أهلها إلى مساكن القصر، وفي تلك المساكن تجدين فيها حقّا هندسة معمارية، تدلّ على الالتزام والتخطيط ووضع كلّ شيء في محلّه، كما يقال في عهدنا مساكن وظيفية، تساعد المقيم فيها على القيام بحاجاته الوظيفية الحضرية، وكأنّها لم تقتنع برأيي. وهذا النصّ في كتاب الشيخ القرادي رحمه الله ما يشير إلى هذا الرأي الذي آراه مع تحفّظ.
يقول رحمه الله: في صفحة 42:
« كيف أنشئت آبار الواحات حول قرى ميزاب
يكاد يُجمع الكتّاب الذين تحدّثوا عن ميزاب أنّها واحة صناعية، وكلّ الواحات التي تكوّنت في الصحراء الكبرى من بسكرة والأغواط إلى أدرار وتميمون أنشئت على نقط طبيعية من الماء الحيّ، مثل بعض الأودية الغريزة أو عيون فوّارة، إلاّ واحات وادي ميزاب، فهي واحة من صنع البشر، فليس بها عين فوّارة ولا وادي مثل الواحات الأخرى، ولقد حفر سكّان القرى الخمس “أربعة آلاف بئر”، يتراوح عمقها بين 20 إلى 60 متر، ويكاد يجمع الناس أنّ هذه الآبار حفرت بالطرق البدائية، أي أنّ البارود والمفرقعات لم تستعمل إلاّ في الآونة الأخيرة، ولقد كان حفر الآبار يخضع للعديد من شبه القوانين والأعراف التي تواضع عليها الناس، وحسن بنا أن نتحدّث عنها وإن طالت بنا.
1 كيف يُختار مكان البئر حتّى تصادف ماء غزيرا ؟
هناك ناس عقلاء يدركون بالتجربة ويتحسّسون الأمكنة وهم معروفون في كلّ قرية، وقد تستدعي قرية شخصا من قرية أخرى، وأغلب هؤلاء ممّن يستطيعون أن يقوموا بهذا العمل أو يشرفون عليه، وقد سمعتُ حكاية بهذا الصدد لا بأس بإثباتها هنا حتّى يتعرّف عليها أصحاب التكنولوجيا.
يقال إنّ هناك بئرا في غرداية تسمّى “ورْوارَى نَ لْكَعْبُوشْ”، والوروارى هو البئر الحيّ التي لا تنضب في أشدّ حالات القحط، ويقال إنّ هذه البئر بدأ أصحابها بحفرها وبلغوا إلى مائة ذراع، وهي في الغالب نهاية ما يمكن أن يصل إليه الإنسان -وهو يأمل-، أمّا إذا تجاوز هذا العمق فيصبح قليل الأمل في وجود الماء، ولمّا لم يجد الحافرون الماء اقترحوا أن يجعلوا لها نفقا…وكان المموّلون للمشروع على حافّة الإفلاس، ولكن الحافر لم ييأس، فأخذ ثلاثة قصع صغيرة، وهي المسمّاة عندنا “تازوضا” (إناء خشبي مقعّر، يُقال لها أيضا جفنة أو جفان، وتُنطق الزاي مفخّمة) وجعل في كلّ واحدة منها نوعا من الصوف يقال لها “تِفِيزَّى” بتفخيم الزاي، وكفأ تلك الأواني على الصوف، ووضع واحدة في أوّل النفق والثانية في الوسط والثالثة في آخره، ورجع بعد ثلاثة أيام فوجد الصوف الأولى يابسة وصوف الثانية يابسا وصوف الثالثة نديا يقطر ماء، فحفر في ذلك الموضع عشرة أذرع وإذا بصخرة يتفجّر منها الماء، وما كاد يجمع أثاثه وعمّاله ويصعد من البئر حتّى امتلأت البئر. وهذه واحدة من مئات الطرق التي يتحسّس بها وجود الماء.».
وممّا هو قريب من هذا ما أورده الأستاذ يوسف الحاج سعيد في كتابه تاريخ بني مزاب عن الشيخ المرحوم الحاج صالح لَعْلي، عندما أمر بحفر بئر المسجد في عهده فلم يجدوا ماء كافيا بعد طول الحفر، فطلب منهم الشيخ أن يدلوه في البئر بتوأدة، وهو يتحسّس الجدران ويتصنّت إلى أن وصل إلى موضع بفراسته وبتوفيق من الله، فأمرهم بفتح نفق فيه فكان منه مورد للماء غزير.
Categories: ندوة الإربعاء
Sorry, comments are closed for this item.