خير جليس في الأنام كتاب
الجلسة الثانية : 20 جانفي 2016م الموافق ليوم: 10 ربيع الثاني 1437هـ
أيّها السادة الكرام، أيّها الأساتذة المحترمون،السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
موضوع حديثنا اليوم عن الكتاب، وكيف كان يكتبه المؤلّف أو يمليه على الراغبين.
ولَعُمري إنّها عمليّة شاقّة لإيصال الكتاب للناس. ويتولّى الورّاقون استنساخه بثمن باهظ.
هذا الموضوع أنقله عن جريدة البصائر، العدد 790، المؤرّخ في 17 جانفي 2016، من ركن الأستاذ محمّد الصالح الصدّيق “ما قلّ ودلّ”.
« عندما كانت زوجتي تعالج من مرضها الذي توفّيت به، زارتها طبيبة للمعالجة. وبعد انتهائها من مهمّتها أدخلتُها إلى مكتبتي لتتناول كأسا من الشاي ريثما يمرّ بها زوجُها بالسيارة.
ولمّا جلستْ أخذتْ تقلّب بصرها في أرجاء المكتبة في شيءٍ من الإعجاب. ثمّ نظرتْ إليَّ مبتسمة وقالت: طالما راودني سؤال وَوَدِدْتُ لو أجدُ له جوابا، وربّما حان الوقت اليوم لرفع الستار عنه، وهل تسمح بطرحه؟
فقلتُ لها: ما هو هذا السؤال؟ فقالت: هل في الإمكان أن تُحدِّثَني عن أقدم كتاب حوته المكتبة العربيّة في المشرق والمغرب؟ فقلتُ لها:
إنّ أقْدمَ كتابٍ حَوَتْهُ “المكتبةُ الظاهريّة” بدمشق مثلا، وهي المكتبة الشهيرة في العالَم العربي، الغنيّة بمخطوطاتها النادرة، هو كتاب اسمه: مسائل أحمد بن حنبل؛ رواية أبي داود سليمان السِّجْسْتاني الذي وُلد سنة 202هـ، وتوفّي بالبصرة يوم الجمعة منتصف شوال سنة 275هـ. وكان محدِّثًا اشتهر بكتابه “السُّنن”. جمع فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث، ولازَمَ الإمامَ ابن حنبل مدّة طويلة.
وجاء في آخر هذا الكتاب: «تمّت، وسمِعْناه في شهر ربيعٍ الأوّل من شهور سنة سِتّ وستّين ومائتيْن». وعليه فإنّ هذه الناسخة قبل وفاة المؤلّف بتِسْع سنين.
وهنا سألتْني الطبيبة عمّا يعني قوله: «وسمعناه في شهر ربيع الأوّل…»؟ فقلتُ لها: إنّ المؤلّف في تلك العهود الغابرة -لِعدم وجود المطابع- إذا انتهى من تّأليف كتاب، اجتمع حوله مَنْ يريد الكتاب ويأخذ في إملائه عليهم، حتّى يأتي على آخره. فيكون لكلّ مُسْتَمْلٍ نسخة من الكتاب. وهنا تتجلّى أهميّة المطابع، والنعمة التي يَنْعَمُ بها العلم في هذا العصر.
وهنا أيضا، نُدركُ كَمْ هو عظيم ذلك الجهاد الفكري والقَـلَمي الذي قام به علماءُ سَلَفِ هذه الأمّة؛ فإنّ الواحدَ منهم قد يؤلِّف كتابًا في مجلّدات عديدة ضِخام، ثمّ يُـمليه كلَّه على الراغبين في اقتنائه والانتفاع به.
أمّا نحن اليوم؛ فرغم توفّر الكتب ويُسْرِ اقتنائه، فإنّ النادر منَّا مَنْ يقرأ، والأَنْدر من يُدمن على القراءة ويُتابع الكتاب من بدايته إلى نهايته.
وأكثرُ الناس يشترون كلَّ شيء؛ مأكولاً أو مشروبًا أو ملبوسا أو مركوبًا، دون أنْ يجدوا في ذلك حَرَجًا، أو يتأفَّفون من غلائه، ولو بلغ ما بلغ. ولكن الكتاب -مهما رَخُص سعره- غالٍ في نظرهم، لا يَقدمون على شرائه إلاّ إذا اضطرّوا وقُيِّدوا إليه بالسلاسل.
وهنا جاء زوجُ الطبيبة، وانتهى الحديث عن الكتاب والمطابع والقراءة.
gs
Categories: ندوة الإربعاء
Sorry, comments are closed for this item.