كتاب مختصر تيسير التفسير
كلمة ألقيت بمنتدى المربين اليسجنيين بمناسبة صدور كتاب مختصر تيسير التفسير بتاريخ 25 ديسمبر 2009
الحمد لله حمدًا يوافي نعمه ويكافئ مزيده،
والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد مَن أوتيَ الكتاب والحكمة، وبعثه الله هاديا وبشيرًا، وجعل ما أوحى الله به إليه نورًا يهدي به الله من يشاء من عباده،
وعلى آله وصحابته الكرام، وعلى من استنّ بسنّته واهتدى بهديه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو خيرُ الوارثين.
أيّها الأساتذة الكرام والإخوة المربّين، السلام عليكم ورحمة الله تعالى، وأحيّيكم واحدا واحدا، وأكْبُرُ فيكم الهِمّة العالية، والاهتمام النبيل بوسائل الثقافة والمعرفة على شتّى فروعها،
وأُثني عليكم وأشكركم كذلك حيث فسحتم لنا في منتداكم هذا بالحديث إليكم في هذه الأمسية عن الإصدار الأخير الذي أعاننا الله عليه ووفّقنا إليه بمنّه وكرمه؛
وهو مختصر تيسير التفسير، للربع الأخير من القرآن الكريم، فشكرا كثيرا لاحتفائكم هذا وحضوركم لهذه الجلسة المباركة، بارك الله في خطواتكم وأعمالكم، وجعلنا جميعًا من خَدَمة كتابه والمشتغلين به آناء الليل وأطراف النهار.
لقد اجتمعنا احتفاء واحتفالاً بكتاب الله تعالى وخدمةً لكتابه الذي أنزله الله نورا يهدي به من يشاء من عباده،
أيّها الإخوان الأساتذة الكرام، إنّه من نافلة القول الحديث عمّا ما أوجبه الله علينا من العناية والاهتمام بالقرآن الكريم، تلاوةً وحفظًا وتدبّرًا وتعليمًا وتعلُّمًا. وقديمًا قيل: «يا أمّة القرآن لستم على شيء حتّى تقيموا القرآن.». هذا في كلّ عصر وفي عصرنا هذا يكون ذلك أوكد.
هذا الاهتمام المتعدّد الجوانب توجبه التطوّرات الثقافية التي نحياها.
فالواجب على أبنائنا الطلاّب بالخصوص، وعلى المشرئبّين إلى الثقافة عامّة تذكيرهم بكتاب الله تعالى، وجعلهم من حين لآخر يهتمّون به وينظرون إليه ويتذكّرونه حتّى لا يضيعوا وسط هذا الركام الهائل من الثقافة ومواضيعها المختلفة، وما تنتجه الوسائل العصرية من المرئية وغير المرئية والمقروءة وغير المقروءة من شتّى أنواع المعرفة.
فنحن إزاء ذلك على حدّ قول الشاعر:
تكاثرت الظباء على خراش فلا يدري خراش ما يصيد
أمّا الكتاب المحتفل به ولأجله كان هذا اللقاء (مختصر تيسير التفسير)، فقد تحمّسنا له وتجنّدنا له لأمرين:
أوّلا: خدمة كتاب الله وتذكير أبنائنا الطلاّب وغيرهم بكتاب الله، وجعلهم من حين لآخر يهتمّون به ويتدبّرون كرتيمة في إصبعهم تذكّرهم مَن هم ؟ كما قلت سابقا، وهذا ما يتوجّبه تطورات العصر.
ثانيا: ما في التفسير الكبير “تيسير التفسير” الذي يشتمل على 17 جزءًا من الثقل، وتعدّد المباحث والإيرادات، وذكر مختلف القصص والتفريعات ممّا يدعو إلى عدم المسايرة له أحيانا، أو العزوف عنه أصلا؛ فكان لزاما علينا التفكير في عمل يخفّف ما في تلك الأسفار، ويُبعد القارئ عن الشتات والضياع بين تلك المناهج والطرقات والعجز عن ملاحقتها، والوثوب من قمّة إلى قمّة.
ربّما البعض منكم يتساءل أو يوجّه إليّ استفسارًا: لماذا هذه العناية بتراث الشيخ الجليل رحمه الله، خدمتَ تفسيره مرّتين، والكتاب الضخم “شرح عقيدة التوحيد” الذي قام بتحقيقه ونشره الدكتور مصطفى وينْتَنْ، والكتاب الهامّ “آراء الشيخ اطفيش العقدية” له أيضا؟
وهذا الاهتمام والأطروحات التي في الميدان عن كتاب “تيسير التفسير”، لماذا كلّ هذه العناية بمؤلّفات الشيخ؟
لقد كان جلّ علماء الإباضية في المغرب في مزاب وجربة بالخصوص ومشايخهم يهتمّون بما عندهم فقط وبتراثهم خدمة وتعليما، بل وحتى غالب مشايخ علماء المذاهب الإسلامية الأخرى يهتمّون بما عندهم فقط، ولا ينظرون ولا يشرئبّون إلى ما عند الآخرين إلاّ لمامًا. أمّا اليوم فقد اختلف الوضع، ولم يعد الأمر كما كان سابقا.
فالواجب علينا نحن أهل الدعوة والاستقامة ألاّ نبقى منغلقين على ما عندنا وكأنّ الأمر لا يعنينا، والحال أنّنا من جملة أبناء الأمّة الإسلامية الحاملين للتراث الحضاري الإسلامي.
والشيخ اطفيش، رحمه الله، في مسيرته الثقافية وكتاباته المتعدّدة، يمثل نظر المجتهد المتفتح على ما عند غيره ، ويرى ما عندنا وما عند غيرنا موروث ثقافي إسلامي وإنجاز حضاري فيه ما هو حسن وفيه ما هو أحسن وأفضل وهذا هو الجانب الهام للشيخ في أعماله الثقافية وخاصة في تفسيره الكبير للقرآن العزيز تيسير التفسير.
ثم إن الشيخ يعتبر بالنسبة لأبناء العصر والجيل الجديد هو المرجعية الكبرى لنا في العلوم الشرعية لنا.
نعم لو جنحنا إلى هذا التخفيف وهذا الاختصار قبل خدمة الأصل أي تيسير التفسير لكان ذلك ربما عقوقا وتصرفا غير لائق لهذا العالم الجليل، بل عملنا هذا يعتبر خدمة وإلفات نظر لما في الأصل من المباحث والآراء والاجتهادات خدمة لكتاب الله تعالى.
ندعو الله تعالى إن يجعلنا ممن يريد إن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا والمنافقين هي السفلى.
Categories: المقالات و دروس الوعظ
Sorry, comments are closed for this item.