من خطب الجمعة -الشيخ إبراهيم محد طلاي
ألقيت هذه الخطبة في المسجد الكبير لبني يزقن غرداية وادي ميزاب. بتاريخ 02 صفر 1432 هـ الموافق لـ 06 جانفي 2011 بمناسبة حلول السنة الميلادية الجديدة.
الحمد لله الباهر شأنه الظاهر برهانه القاهر سلطانه.
الذي يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل، ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي وهو على كل شيء قدير.
أحمد تعالى بما هو له أهل من الحمد، وأثني عليه، وأستغفره من جميع الذنوب وأتوب إليه.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أرسله الله إلى خلقه بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.
فبلغ الرسالة وأدى الأمانة وكشف الغمة. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين وصحابته الأبرار وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا عباد الله ويا أيها المؤمنون اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. واعلموا حق المعرفة أن الإنسان الذي يركب دهماء هذه الحياة تتقاذف به الأمواج بين خير وشر، ونعيم وبؤس وغنى وفقر. ورفع وخفض، وعز وذل.
والإنسان إذا كان تنتابه هذه الأوضاع فإَنه لجدير به أن يعتبر بكل ما يدور به من حوله. وتصاريف القضاء يجب أن تكون عبرا لأولي الألباب. وقد قال الشاعر الحكيم:
ومن لم تؤدبه الآباء فإنه تؤدبه الأزمان حل التقلب
والزمان يسير بالإنسان سيرا حثيثا. وكل عام من أعوامه موجة من أمواجه، تدفع بالإنسان إلى هوة الردى ومهواة الفناء.
وليس هذه الفناء فناء محضا ولكنه فناء محدود. ينقلب بعد ذلك إلى وجود آخر وحياة أخرى.
فالحياة التي يحياها الإنسان الآن سوف تعقبها حياة أخرى تختلف كل الاختلاف. لأن الحياة الدنيا إنما هي حياة عمل، وهي حياة محدودة. والحياة الأخرى أو حياة الآخرة حياة خالدة ليس لها انقضاء وهي بجانب ذلك أيضا حياة جزاء وربح أو خسران.
فما يقدمه الإنسان في حياته هذه سيجده في حياته تلك أعني حياة الآخرة. وما يزرعه هنا سيحصده هناك.
يقول تعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ»
وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ماذا بعد الموت؟ فقال: «ما أخذتموه من الدنيا».
أيها المسلمون، إذا كانت السنون التي تمر بالإنسان هي موجة هذه الحياة التي تدفع بالإنسان إلى الفناء الذي تعقبه تلك الحياة أي حياة الآخرة. فإنَّه لجدير بهذا الإنسان -وهو يمر بهذه الأعوام، أو تتقاذفه هذه الموجات- أن يقف عند كل عام ليعتبر وليحاسب نفسه. ماذا قدم، وماذا أخر؟ ماذا فعل وماذا غفل عنه وترك؟
وليس هذه بالنسبة إلى الأفراد فقط بل هو أيضا بالنسبة إلى الأمة كذلك. والأفراد مطالبون أن يحاسبوا أنفسهم. فالإنسان الذي يعمل صالحا إنا يعمله لنفسه والذي يسيء إنَّما يسيء على نفسه.
فعليه أن يحاسب نفسه مع مرور هذه الأيام وهذه السنوات ما قدم من خير وماذا عمل من صالح. وكذلك ماذا عمل من صالح لأمته التي ينتسب إليها لأنه عضو من أعضائها يجب عليه أن يتألم لألمها ويعمل للحد من ذلك اللأم، وأن يفرح بفرحها وأن يسر بسرورها.
فالنبي عليه السلام يقول: «ترى المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
وعلى الأمة أيضا أن تحاسب نفسها عند مرور هذه الأعوام، ماذا قدمت من خير أو شر ماذا عملت لصالح المسلمين والإنسانية عامة، وماذا عملت تجاه رسالتها التي أناطها الله بها تبارك وتعالى.
فإن هذه الأمة أمة الإسلام ذات رسالة مقدسة بين الله تعالى عظَّم هذه الرسالة عندما قال: «وَلْتَكُنْ مِنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ». «وَلاَ تَكُونُواْ كَالذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ».
أسأل الله العلي الكريم أن يأخذ بأيدينا أفرادا وجماعات لما فيه صلاح ودنيانا وأمتنا ووطنا فبذلك يكون بحول الله وعظيم إحسانه صلاح آخرتنا وسعادتنا وهناؤنا.
«لِلْذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهِهِمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ، أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» جعلنا الله وإياكم من المحسنين.
جـلســــــــة
الحمد لله رب العالمين والصلاة السلام على أشرف المرسلين ولا عدوان إلا على الظالمين.
أيها المؤمنون علينا جميعا أفراد وجماعات وعلى هذه الأمة أمة الإسلام أن تعتبر بمصير الأمم التي كانت قبلنا وحادت عن النهج الرباني فركبت متن الضلالات والأهواء.
فالله تبارك وتعالى ضرب في كتابه الأمثال وبين لهذه الأمة الخيرة وجوه الارعواء والازدجار وأوجب عليها الاعتبار بما كانت عليه الأمم من قبل وكيف كان مصيرها وقد قال عز من قائل: «أَلَمْ يَرَوْاْ كَمَ اهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ مَكَّنَاهُمْ فِي الاَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ، وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الاَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ».
وقال تعالى: «وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطَرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِن بَعْدِهِمُ, إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَا نَحْنُ الْوَارِثِينَ».
فالقرون الخالية والأمم البائدة إنما أهلكها سوء صنيعها، وانحرافها عن النهج الرباني. فواجب هذه الأمة أن تعتبر بمصير تلك الأمم وأن ترعوي عما كانت عليه تلك الأمم وأن ترعوي عما كانت عليه تلك الأمم من الضلالة والغي والبعد عن سواء السبيل.
هدانا الله وإياكم وألهمنا رشدنا وسترنا من الفضائح والكوارث. اللهم استر سوءاتنا يوم تنكشف السوءات. اللهم اهد المسؤولين لما فيه صلاح العباد والبلاد. واهد المواطنين والمسيرين من باقي الأمة لأيسر الأمور، وحسن التصرف وجنبنا الشطط وركوب الأهواء. آمين آمين آمين يا رب العالمين بحولك وقوتك لا بحولنا وقوتنا. والحمد لله رب العالمين.
أيها المؤمنون إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون. قوموا إلى الصلاة يرحمكم الله
Categories: المقالات و دروس الوعظ
Sorry, comments are closed for this item.