من الأدب الشعبي
الجلسة الواحدة والعشرون : 12/06/2013م الموافق ليوم 3 شعبان 1434هـ
السادة الحاضرون، إخواني محبّي الثقافة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
إطلالتنا هذه الأمسية ستكون تَبَعًا لِما تحدّثنا عنه في الحصّة الماضية، في موضوع قصّة خيالية تربوية.
والعرب تقول: الحديث ذو شجون.
ذكّرتني الأسطورة الماضية بأسطورة أخرى من الأدب الشعبي، وهي أسطورة متداولة الهدف منها تربية السلوك، ودفع العامّة إلى فعل الخير، والتعاون على مشاقّ الحياة.
قصّة امرأة كانت تنضج خبزها على التنّور، فرأتْ أمامها على الحائط وزغة غريبة، لا تحيد عن مكانها.
فقالت: هل أنتِ حامل؟ ربّما أؤذيك برائحة خبزي، فأدفع لكِ شيئا منه، مراعاة لما عسى يقع لكِ من الوحم.
فأشارت إليها أن نعم.
ثمّ قالت لها: ما دمتِ حاملا فإن شئتِ أن أقوم لك بواجبات القابلة عندما يحين نفاسك؛ وأشارت إليها أن نعم.
ومرّت شهور أو أسابيع. وفي ليلة مظلمة بعد أن ذهب من الليل شطره، سمعت طَرْقًا على باب دارها، فنهضت من النوم، فسألت: مَن خلف الباب؟
فقيل لها: المرأة التي وعدتِها أن تقومي لها بما تقوم به القابلة تستدعيك، فإنّها على وشك النفاس.
فسرعان ما تذكّرت الوعد، فقالت: كيف آتيها؟ فقيل لها: اقتربي من الباب واخرجي ولا تذكُري ذلك الاسم.
ففعلت ذلك؛ فإذا تسير ورواء شبح في الأزقّة المظلمة، فأدخلها الشبح إلى دار ونسوة من نوع ديار بني آدم ونسائهم؛ فقامت بواجباتها من مساعدة المرأة على الوضع وتلقّي المولود وقطع السرّة، وتمكين المرأة من ابنها.
فبينما هم على ذلك وقد تخلّصت المرأة من المشيمة، فقيل: أين نضع هذه المشيمة؟ فقال الهاتف: ضعوها في قِدر المرأة التي تترك قِدرها بدون غطاء.
فقيل: من أين نأخذ الدقيق لنضع للنافسة ما تأكل وتفطر به؟ فقال الهاتف: خذوا من دقيق المرأة التي لا تضع مِلحا لدقيقها.
فجعل ذلك المولود يبكي، فقيل: كيف نسكت هذا المولود؟ فقال الهاتف: استبدلوه بالمولود الذي تركتْه القابلة بدون قماط.
وعندما عادت إلى بيتها أُعطي لها مجمرة؛ فجعلت تضع منها جمرة تحت الحائط لتستدلّ بها على طريقها، فبقيت واحدة جعلتها في كوّة الدار.
وفي الصباح ذهبت إليها فوجدتها ياقوتة غالية؛ فتأسّفت على وضعها لتلك الجمرات في الطريق.
انتهت القصّة.
يُقال: امرأة حامل لا حاملة؛ امرأة نافس لا نافسة؛ وامرأة حائض لا حائضة.
المشيمة: الوعاء الذي كان فيه المولود في رحم أمّه؛ وإذا وُلد تتخلّص منه النافس بحكمة الله وقدرته.
لماذا اختاروا القِدر التي ليس لها غطاء؟
لماذا اختاروا الملح الذي لم يوضع عليه الملح؟
لماذا استبدلوا مولودهم بالمولود الذي لم يُجعل له القماط؟
يبدو أنّ هذه المرأة كانت محسنة وتحبّ القيام بالمنفعة العامّة، وليست أنانية لا تعرف إلاّ نفسها.
ويبدو أنّها شجاعة وحكيمة في تصرّفها مع هؤلاء الذين ذهبت إليهم وفاء بعهدها.
إذا قلت في شيء نعم فأتمّه * فإنّ نعم ديْن على الحرّ واجب.
Categories: ندوة الإربعاء
Sorry, comments are closed for this item.