موقع الشيخ طلاي

Menu

 

مناهج التربية فى مدارسنا وجامعاتنا – الإمام الغـــزالي

إن العلم شحن الأذهان بألوان لا حصر لها من المعرفة. أما التربية فهى الإفادة من هذا التقدم لتزكية الشخصية وتهذيب سلوكها … والتربية الدينية نوع خاص من البناء المعنوى يجعل المرء متجهاً بقواه كلها إلى غاية معلومة وضابطاً لحياته وفق نظام مرسوم.

سؤال: مناهج التربية فى مدارسنا وجامعاتنا صارت وسيلة للتوظيف وكسب العيش، وخلت من كل توجيه ونحن نحب أن نستنير برأيكم فى الوسيلة المثلى لمناهج التربية حتى يتخرج جيل مسلم ..

الجواب :

توجد فى مدارسنا وجامعاتنا برامج دراسية حسنة تقدم أنصبة من العلم تشبه ما تقدمه نظائرها فى أعظم الأقطار، ويمكن أن تكون بعض المراحل الدراسية عندنا مساوية فى تقدمها العلمى لما يقابلها فى الشرق والغرب .

أما مناهج التربية تواكب مناهج للتعلم فالأمر يحتاج إلى نظر وتأمل .. !

إن العلم شحن الأذهان بألوان لا حصر لها من المعرفة. أما التربية فهى الإفادة من هذا التقدم لتزكية الشخصية وتهذيب سلوكها ..

والتربية الدينية نوع خاص من البناء المعنوى يجعل المرء متجهاً بقواه كلها إلى غاية معلومة وضابطاً لحياته وفق نظام مرسوم .

وهذا النوع من التوعية الدينية معدوم فى بعض الجامعات محارب فى بعضه، معترف به ومعترف بغيره فى بعض ثالث، وربما قدم نصيب محدود منه فى جامعة الأزهر ! والأصل فى التربية تعهد الأخلاق، ولما كان الخلق ـ بالتعريف العلمى ـ هو عادة الإرادة فإن المفروض فى برامج التربية :

أولاً : أن ترسم الوجهة للسلوك المنشود .

ثانياً : أن تدرب الأفراد على هذا السلوك، وتأخذهم به أخذاً مستمراً حتى يصبح طبعاً لهم وصبغة ثابتة فيهم، فالمربى أشبه بالزارع الذى يتولى البذر والحرث والسقيا والحماية والإخصاب والانتقاء حتى تنضج الثمرة وتؤتى أكلها كل حين بإذن ربها .

والطالب الذى يمر بهذه الأدوار، يصاغ فى قوالب معروفة الشكل والصورة، فإذا ربى على الصدق صعب عليه الاختلاق والتخريف، وإذا ربى على الأمانة انزعج من العوج والغدر .

وفى أثر التعود واستقامة الوجهة يقول الشاعر :

تعود بسط الكف حتى لو أنه ثناها لبخل لم يتطعه أنامله !

ويقول آخر :

وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه !

وقد ربى الله محمداً صلى الله عليه وسلم ليربى به العرب، وربى العرب ليهذب بهم العالم أجمع ” لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين ” .

وكلمة التزكية تعنى التربية والتسامى بالنفس وامتلاك الهوى .

وذلك معنى الآية ” ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها”.

والتربية الإسلامية مذ دخل الاستعمار بلادنا تمر بمحنة شديدة، فلما خرج ووقعت البلاد فى الأيدى التى تتلمذت عليه مرت التربية الإسلامية بمحنة أشد ..

وذلك هو السر فى أننا نجد أصحاب محاصيل علمية كبيرة وكلفها قليلة الجدوى، إن لم تكن قريبة الضرر .

فإن العلم عند هؤلاء وقف عند حدود التصور الذهنى وحشو الأدمغة بجمل من القوانين والأحكام .

أما التربية التى تتوسل بهذا العلم إلى رفع المستوى النفسى والاجتماعى والتى تحول الشخص إلى صاحب مبادئ ومثل يعيش لها وقد يضحى من أجلها ..

هذه التربية لم توجد لها بعد مناهج واضحة ومؤسسات مسئولة .

والسبب فى ذلك هو الكره الخفى أو الجلى للإسلام وتاريخه ومطالبه ووصاياه ..

التعليم فى روسيا يكرس لخدمة الشيوعية، والتعليم فى بلاد كثيرة يربط بأهداف شتى.

وكان مفروضاً أن يصحب برامج التعليم عندنا برامج للتربية الإسلامية اليقظى تشرف على السلوك الفردى والجماعى، وتجعل الحياة الخاصة والعامة محكومة بآداب الإسلام وتوجيهاته .

ولكن الإسلام دين مهزوم فى المجالات الدولية، وقد انسحبت آثار هزيمته على مطالبه فى بلاده نفسها فأضحت كما نرى :

متعلمين يريدون بشهاداتهم العلمية مستوى معيناً من المعيشة، وسعراً خاصاً لما نالوه من دراسات وكفى !. فإذا ذهبت تفحص سلوكهم وجدت العلم قد أفاد فى تغيير الوسائل فقط، أما المآرب الدنيا فهى هى عندهم وعند الجهال ! ويستحيل أن تنهض أمتنا إلا يوم يكون العلم والتربية قرينين، ويوم تتقرر آداب الإسلام ومثله دون حرج أو دجل.

الإمام الغـــزالي

Categories:   ضيف الموقع

Comments

Sorry, comments are closed for this item.