معركة الدغامشة
الجلسة الثانية: 14جانفي2015م الموافق ليوم: 23ربيع الأوّل1436هـ
أيّها السادة الأعزّاء، أيّها الأساتذة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
إطلالتنا في هذه الليلة ستكون من مقال أدرجَه الأستاذ محمّد الهادي الحسني الوطني الغيور في جريدة البصائر الغرّاء، وهو من كتّابها المخلصين.
في تاريخ 29 ديسمبر 2014 نقلا عن الشروق يتحدّث فيه عن تصرّفات الفرنسيين عند احتلالهم للصحراء الكبرى وما عاثوا فيها فسادا لكلّ من يحاول أن يقاومهم.
وعن جهاد أولئك المؤمنين الصناديد الذين أبوا أن يخضعوا للعدوّ الدخيل رغم الفرق الكبير بين سلاحهم وسلاح المشركين.
والذي جعلني أختار هذا النصّ في ندوتنا هذه الأحداثُ والمظاهرات التي تقع في عين صالح في قضيّة استخراج الغاز الصخري الذي يبدو لي أنّه من المفروض العدول عنه في هذه السنوات التي تلاقي الدولة فيها مشاكل داخليّة وخارجيّة.
والأولى منّا ومن المسؤولين علينا العناية بالأمن والاستقرار أوّلا، ثمّ يأتي بعد ذلك الانشغال بالاستغلال للغاز الصخري وغيره.
ما تحدّث عنه الأستاذ الهادي الحسني جرت أحداثها في 5جانفي1900 ميلادية، في منطقة عين صالح والقرى والمداشر التي حولها.وإليكم المقال.
ليس من المبالغة في شيء أن نقول ونعيد القول: إنّه ليس هناك جزء من أرضنا الشاسعة لم يحتضن شهداء ولم يرتو بدمائهم الطاهرة…
ولم يعرف أكثرنا ما سقط من الشهداء، حيث لم نسجّل مآثرهم، ولم نخلّد بطولاتهم…ولم نُحْيِ ذِكراهم؛ فعليهم رحمة الله ورضوانه وأكرمهم، فهم أهل الإكرام.
من هذه المناطق التي ضمّ ثراها أجساد شهداء، وارتوى من دمائهم منطقة غير بعيدة من مدينة عين صالح تُسمّى “الدغامشة”.
تَنادى مجموعة من المجاهدين من المناطق القريبة من عين صالح (بود الهبلة، تْسابيتْ، سالي، رَقّانْ، إينْغرْ، تيطْ، أقبلي، أَوْلفْ…) ونفروا بهدف الزحف على عين صالح لتطهيرها من الرجس الفرنسي.
كان عددهم حوالي 1300 مجاهد بأسلحتهم التي هي أقرب إلى اللعب منها إلى الأسلحة. وبايعوا بالجهاد عالِمهم الشيخ مولاي عبد الله بن مولاي عبّاس الرّقّاني، ولبسوا أجمل الثياب، وتعطّروا وتخضّبوا بالحنّاء، لأنّهم مقبلون على لقاء الله U، فأحبّوا أن يلاقوه -إن كُتب لهم ذلك- وهم على أحسن ما يكونون.
لقد جرت المعركة بين أولئك المجاهدين وبين العدوّ الفرنسي في 5 جانفي 1900، وقد أشار عليهم من أشار في منطقة تسمّى “البركة” أن يعودوا من حيث أتوا، لأنّهم لا قِبل لهم بالعدوّ الفرنسي من حيث السلاح، فعدوّا ذلك من الفرار من الزحف. وقال الناطق باسهم، الشاعر عبد النبي بوتقي في ذلك:
نْصَحْتونا صحيح ونْصيحْتْكم عارْ وعيبْ لو كانْ من “البركة” وَلّينا
جرت الواقعة، وتغلّبت قوّة السلاح وغزارة النار، واستشهد 150 شهيد، منهم الشيخ مولاي عبد الله الرقاني، وجرح مائتا مجاهد، وأُسر بعضهم، وانسحب من انسحب.
وليسمع الناس أنّ الفرنسيين “المتحضّرين” وهم أكثر وحشية من الوحوش، منعوا دفن أولئك الشهداء، وتُركوا في العراء إلى 1962.
ولكن الله القويّ العزيز حفظ أجسام أولئك الشهداء “كرامة” لهم، فلم تتحلّل نتيجة العوامل الجويّة، ولم تقترب جوارح الطير ووحوش الحيوانات منها.
وقد شاهدنا تلك الأجساد الطاهرة بلحومها ولباسها، وأجزاء من الخيول وأشعارها قبل حياطتهابصنادق إسمنتية، وتغطيتها بالرمال، لتبقى شاهدة على الدولة الفرنسية الأكثر وحشية، والأكبر إجراما عبر التاريخ. ونطلب من المسؤولين هنا وهناك أن تكون فيهم بقيّة من كرامة فيعتنوا بتلك المقبرة بما يستحقّه أولئك الشهداء من صادق العناية.
رحم الله شهداءنا الأبرار، وأخزى كلّ من خانهم، وفرّط في وديعتهم التي استودعوها لنا، ولَـخزي الآخرة أكبر…
لمن أراد التفاصيل، فليرجع إلى كتاب الأستاذ عبد القادر بوية: تيديكَلْتْ (وثائق ومحفوظات).
Categories: ندوة الإربعاء
Sorry, comments are closed for this item.