جلسة يوم  04/11/2009م الموافق ليوم 17 ذو القعدة 1430هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه.

اللهمّ لا سهل إلاّ ما جعلته سهلا.

أيّها الإخوة الأعزّاء، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

إنّنا في الأيام الأخيرة من المعرض الدولي للكتاب الذي أُقيم في الجزائر العاصمة.

وإقامة عرض للكتاب ومهرجان له عادة حميدة وسنّة جليلة، تدلّ على المكانة العالية التي تتمتّع بها تلك الأمّة، وعلى المستوى الحضاري والعلمي فيها.

إذا كان الأمر كذلك رأيتُ من اللائق أن أنقل إلى أذهانكم الكريمة، وأشنّف آذانكم الواعية بشيء ممّا سجّله الأوّلون عن الكتاب، عَلَّنا نستفيق من رقدتنا فنُوَلّي وجهتنا إلى الكتابة والكتاب، ونجعل له ركنا ركينا في قلوبنا ومكانةً ممتازة في أذهاننا وعقولنا.

في كلّ زمان وفي زماننا هذا، والأمّة التي لا تقرأ أو لا تهتمّ بالثقافة ولا تلاحق جحافل الثقافة والمعرفة، أمّة لا قيمة لها ولا مكانة لها بين الأمم.

أبدأ بنصّ صغير من كتاب تيسير التفسير الذي نشتغل به للشيخ اطفيش رحمه الله وطيّب ثراه، (الصفحات: 164-166).

يقول الشيخُ تعليقا على الآية الكريمة من سورة طه: )عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى(.

«وكتابة العلم وما يحتاج إليه أمر مُجمع عليه بعد الصدر الأوّل، قال أبو هريرة: ما من أحد من أصحاب النبي r أكثر حديثا منّي إلاّ عبد الله بن عمر فإنّه كان يكتب ولا أكتب، قال عبد الله بن عمر: يا رسول الله، إنّا نسمع منك الحديث أفنكتبه عليك؟ قال: «نعم»، قلت: في الرضى والسخط؟ قال: «نعم، فإنّي لا أقول فيهما إلاّ حقّا»، قال معاوية بن قرّة: من لم يكتب علما لم يعدّ علمه علما، أي لخوف النسيان والشكّ، وقد قال تعالى عن موسى: )عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى(، فسنَّ اللهُ لنا الكتابة.

…وعن نافع عن ابن عمر قال رسول الله r: «اكتبوا هذا العلم مِن كلّ غنيٍّ وفقير، ومِن كلّ صغير وكبير، ومَن ترك العلم من صغير لصغره أو من فقير لفقره فيتبوّأ مقعده من النار».

ومن روائع ما قيل عن فوائد الكتاب وفضائله ما كتبه الجاحظ في الجزء الأوّل من كتاب الحيوان:

«وعِبْتَ الكتاب، ونِعْم الذُّخْرُ والعُقدة، ونِعْمَ الجليس والعُدّة، ونِعْمَ النَّشْرَةُ والنُّزْهَة، ونِعْمَ المُشْتَغَل والحرفة، ونِعْمَ الأنيسُ لساعةَ الوَحْدة، ونِعْم المعرفة ببلاد الغرُبة، ونِعْم القرينُ والدّخيل، ونِعْمَ الوزير والنزيل.

والكتاب وِعَاءٌ مُلئ علمًا، وظَرْفٌ حُشِيَ ظَرَفًا، وإناءٌ شُحِنَ مُزاحًا وجِدًّا، إن شئتَ كان أَبْيَنَ من سُحْبَانَ وائل، وإن شئتَ كان أعْيى من باقِل، وإنْ شِئْتَ ضَحِكْتَ من نوادِرِه، وإنْ شِئْتَ عَجِبْتَ من غرائبِ فوائده، وإنْ شئتَ ألْهَتْكَ طرائِفُه، وإن شئْتَ أَشْجَتْكَ مواعِظُه، وَمَن لَكَ بواعِظٍ مُلْهٍ، وبزاجِرٍ مُغْرٍ، وبِناسِكٍ فاتِكٍ، وبناطِقٍ أخْرَس، وببارِدٍ حارٍّ.

فمتَى رأَيْتَ بُسْتانًا يُحْمَلُ في رُدْنٍ، ورَوْضَةً تُقَلُّ في حِجْر، وناطِقًا ينطِقُ عن الموتَى ويُتَرْجِمُ عن الأحياء.

ومَن لَك بمؤنسٍ لا ينام إلاّ بنومِك، ولا يَنْطِقُ إلاّ بما تهوى. آمَنُ من الأرْضِ، وأَكْتَمُ للسِّرِّ من صاحبِ السّرِّ، وأَحْفَظُ للوديعةِ من أَرْبابِ الوديعَةِ.».

شرح بعض المفردات:

العقدة: ما يقتنيه الإنسان ويحرس عليه لقيمته. النشرة: النسمة الطيّبة. الدخيل: الغريب الذي تُدخله عليك. الوزير: المعين والمساعد. ظَرْفٌ: وعاء. ظَرَفٌ: كياسة وملاحة. سُحْبان وائل: خطيب عربي قديم اشتهر بالفصاحة. باقل: إنسان ضرب به المثل في العيّ والعجز عن الكلام. زاجر: ناه ينهاك عن العبث. الفاتك: ضدّ الناسك والزاهد والمتورّع. الرُّدْن: أصل الكُمّ.