جلسة يوم  13/05/2009 الموافق لـ 19 جمادى الأولى 1430هـ

أيّها السادة الحضور، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سيكون حديثنا في هذه الجلسة بحول الله في إطار الأدب وفنّيّ’ الحديث وجماله. وقد مرّت علينا جلسات في موضوع التاريخ وأحاديث الماضي.

اخترتُ لكم مقالاً من الأدب الرمزي، يصفُ فيه صاحبُه أو صاحبته التغيّرات الفسيولوجية، والوضع النفساني الذي تكون عليه الحامل، وما تعانيه من التغيّرات النفسانية والعاطفية عندما تحسّ بوجود حياة جديدة في أحشائها بقدرة الله الخالق، الذي أحسن كلّ شيء فقدّره تقديرا.

وَصْفُ هذه الأوضاع التي تنتاب وتحدث للحامل بقدرة الله جاء على لسان دجاجة ترخِم على أفراخها من كتاب فريد من نوعه، بعنوان: مذكّرات دجاجة لإسحاق موسى الحسيني.

هذا الكتاب يذكّرني بكتاب كليلة ودمنة، الذي هو من الأدب الرمزي الفارسي الوضع، ترجمة ابن المقفّع؛ يرمز فيه على ألسنة الحيوانات إلى الوعظ والتذكير، وما يجب على الحاكم نحو رعيته ونحو حاشيته التي يستعين بها على ضبط مملكته وتسييرها.

مقالات أدبية رمزية تأتي على لسان الدجاجة في مذكّرتها عن الحياة والأحياء، والمدن والأقطار، وعن آلام أهلها وأحلامهم؛ أمّا صاحب الكتاب فلا أعلم عنه شيئا إلاّ أنّه من أدباء عصر النهضة، وممّن أوتي فصل الخطاب بالفكرة النيّرة، والأسلوب الممتع.

«مضى على الدجاجة أيام وهي مُتَرَخِّمَةٌ على بَيْضها في المِحْضَن، لا تحاول الخروج. لقد كانت في الأيّام الأولى تتناول الحبَّ، أمّا اليومَ فقد امتنعت عن تناوُلِه.

قالتْ إحدى رفيقاتها: ليس من الحقّ أن أعْذِلَها، ولكنّي أشعرُ أنّها انحرفت عن مألوف عادتها، فهي في غالِبِ الوقتِ صامِتَةٌ لا تكاد تَنْبِسُ بكلمة، وهي في حالة اضْطرابٍ يُثيرُها ويهيِّجُها أتْفَهُ الأمورِ، فإذا أَلْحَحْنا عليها بالطعام نفرَتْ عنّا وعَبَسَتْ، وإذا دنَوْنا منها نسْتَفْسِرُ عن حالها تَبَرَّمَتْ وتَكَدَّرَتْ، وإنْ مَسَّ جِسَمَها شيءٌ هاجَتْ ومَاجَتْ…

…قلتُ: أَوَمَا يُخيفُكِ انْتِقالُ روحِكِ إلى غَيْرِكِ ؟

قالتْ: يُخيفُني؟ إنّه يبعَثُ فِيَّ شعورًا بأنّي أسْعَدُ مَخلوقَةٍ على وجهِ الأرْضِ. إنَّ حبِّي للحياةِ أُفْرِغَ في هذه الأجِنَّةِ، ولكِنَّهُ سيعودُ إلَيَّ مُضاعَفًا حينَ أرى هذه الأجِنَّةَ تَدِبُّ حَوْلي. فأنا الآن أَشْهَدُ انتْتِقالَ روحي إلى أجْيالٍ مُتَعَاقِبَةٍ على مَرِّ السِّنينَ، فأَسْرَعْتُ إليها أُشارِكُها بَهْجَتَها.».