قصيدة البردة للبصيري
جلسة يوم 11/03/2009 الموافق لليلة 14 ربيع الأوّل 1430هـ
أيّها الإخوة الأجلاّء عشّاق الثقافة والمعرفة، أيّها السادة الحضور السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نحن لا زلنا في أيّام ربيع الأنوار، وقد اخترتُ في الجلسة الماضية أن أحدّثكم عن كتيّب مترجَم من الإنجليزية للداعية الإسلامي أحمد ديدات من جنوب إفريقيا ونزيل أميركا.
هذا الكتاب عنوانه: محمّد صلّى الله عليه وسلّم أعظم الزعماء، وقد طُبع مرارًا ونُشرت الملايين من نسخه في أطراف المعمورة، وطُبع عندنا في الجزائر في عين مليلة في أواخر القرن العشرين، وله كتيّبان آخران طُبعا في نفس المطبعة “دار الهدى”، سنخصّ لكلّ واحد منهما إطلالة أيضا بحول الله، هما:
– القرآن الكريم معجزة المعجزات،
– محمّد صلّى الله عليه وسلّم الخليفة الطبيعي للمسيح.
قلتُ لكم في أوّل حديثي إنّنا ما زلنا في الأيام الأولى من ربيع الأنوار، لذا رأيت أن أحدّثكم اليوم عن العادة الجارية في الأقطار الإسلامية في الاحتفال بمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالخصوص الأناشيد والأشعار والقصائد الطوال والقصار التي قيلتْ أو تُنشدُ بمناسبة الاحتفال بالمولد.
لا أدّعي أن أذكر كثيرًا من ذلك أو أعرفه وأشنّف أسماعكم به، إنّما حسبي أن أتحدّث إليكم عمّا أعرفُ من القصائد التي تسمّى بـ”بردة المديح”.
وأذكِّركم بما قلناه في جلستنا السابقة عن قصيدة بانت سعاد، للشاعر المخضرم كعب بن زهير، وقد أنشدها أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم معتذرًا طالبًا العفو عنه، ومادِحًا له وللصحابة الكرام رضوان الله عليهم.
أشهر هذه القصائد بردة البُصيري.
والبُصيري من علماء وفقهاء مصر، ويُنسب إلى أَبُصيرْ، المتوفّى سنة 695هـ/ 1295م. هذه القصيدة وأختها الهمزية لهذا الشاعر الموهوب كانتا تُنشدان في مختلف المساجد في صبيحة يوم المولد، وأذكُرُ منها جامع الزيتونة بتونس وجامع الأزهر بالقاهرة.
قصيدة البردة كانت على بحر البسيط، ولا تُسمّى بردة إلاّ إذا كانت على بحر البسيط وفي مدح الرسول عليه السلام، مطلعها: أمِنْ تَذَكُّرِ جيرانٍ بذي سَلَم مَزَجْتَ دَمْعًا جَرى من مُقْلَةٍ بِدَمِ،
بَدْأ بالنسيب شأن الشعراء التقليديين.
وممّا قاله في حقّ رسول الله صلى الله عليه وسلم:
دَعْ ما ادّعتْه النصارى في نبيّهم
واحْكم بِما شئتَ مدْحًا فيه واحْتَكِم
وانْسُبْ إلى ذاته ما شئْتَ من شَرَفٍ
وانْسُبْ إلى قَدْره ما شئْتَ من عِظَمِ
ومُنْتهى العلم فيه أنّه بَشَرٌ
وأنَّه خيرُ خَلْقِ اللهِ كُـلّهِمِ
فإنَّ فضْلَ رسولِ الله ليس لـه
حَـدٌّ فيُعـْرِبَ عنه ناطقٌ بِفَمِ
وقال مواصلاً رائعة القول:
يا ربِّ بالمصْطفى بَلِّغْ مقاصدَنا
واغْفرْ لنا ما مَضَى يا واسِعَ الكرَمِ
واغْفرْ إلهـي لكلّ المسلمين بما
يتلوه في المسجدِ الأقْصى وفي الحَرَمِ
بِجاهِ مَن بيتُهُ في طَـيْبَةٍ حَـرَمٌ
وإِسْمُهُ قَسَمٌ من أعْظَمِ القَـسـَمِ
وهذه بُـرْدة المختار قد ختمت
والحمدُ لله فـي بَـدْءٍ وفي خـتمِ
أبياتها قد أتَتْ ستّــينَ مع مائة
فَرِّجْ بها كربَنا يا واسع الكــرَمِ
أمّا الهمزية فإنّها جاءت على بحر الخفيف، ولا تقلّ روعةً عن البردة إلاّ أنّها طويلة جدًّا، اشتملت على 470 بيتا.
وقال في الأبيات الأخيرة من هذه القصيدة العصماء:
كيف يستوعبُ الكلامُ سَجايا
كَ، وهل تَنْزَحُ البحارَ الرّكاءُ ؟
غَيْرَ أنّي ظَمْآنُ وُجْدٍ، وما لي
بقليل من الـورودِ ارْتِــواءُ
فسلامٌ عليكَ يَتْـرَى من اللهِ
وتبـقـى به لكَ البَــأْواءُ
ومن أرْوَع القولِ قولُه في مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم:
سَـيِّـدٌ ضِـحْـكُهُ التـبَسُّمُ
وَالمَشْيُ الهُوَيْنا ونوْمُهُ الإغْفاءُ
لا تَحُلُّ البأْساءُ منه عُرى الصبْرِ
ولا تَسـْتـَخِـفه السَّرَّاءُ
هذا، وفي الحصّة المقبلة إن شاء الله نتعرّض إلى البردتين أو ثلاث من نوع الشعر المحلّي والإنشاد المسجدي:
– بردة الشيخ إبراهيم بن بيحْمانْ،
– وبردة الشيخ اطفيش،
– وقصائد الشيخ الحاج صالح لَعْلي الثلاث، رحمهم الله.
والسلام عليكم، وأشكركم جميل الشكر وخالصه في الحضور والإصغاء.
Categories: ندوة الإربعاء
Sorry, comments are closed for this item.