على هامش السيرة
جلسة يوم 10/03/2010م الموافق ليوم 24 ربيع الأوّل 1431هـ
أيّها الأساتذة الكرام، أيّها السادة الحضور، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحيّي فيكم عاطفة حبّ الثقافة والسمر الأدبي وملازمة الحضور لهذه الجلسات الثقافية.
إخواني، لا أحبّ أن يَمُرَّ علينا هذا الشهر المبارك، شهر الكرامة والرحمة بميلاد سيّدنا وحبيبنا محمّد صلّى الله عليه وعلى آله بدون أن أتحفكم بحديث أدبي عن جانب من جوانب سيرة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وربّما تقولون لي: لقد سمعنا كثيرًا وخاصّة في الأيام الماضية عن سيرة رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله.
أقول لكم: نعم تحدّثنا وسمعنا كثيرًا عن سيرة وحياة رسول الله، ولكن ليس ذلك على النهج الأدبي وجمال القول والبيان الساحر.
والنصّ الذي أعرضه عليكم لأديب كبير من أدباء عهد النهضة وكتّابها العباقرة. وقد أثرى الثقافة العربية بشتّى أنواع المعرفة، بما أوتي من حسن القول وجمال العرض، وهو الدكتور طه حسين، عَلَم من أعلام الثقافة.
والنصّ من كتابه الممتع الجميل “على هامش السيرة”. والمراد بالسيرة سيرةُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
وإليكم النصّ:
«كَانَ فقيرًا لا يَكادُ يملِكُ شيئا، وكانَ يكتسِبُ قوتَه من رعيِ الغنم، ولكنّه فَـتًى من قريشٍ، ومن أشرافِها، ورَعْيُ الغنَم قد يليقُ بالصِّبْيَة وبأمثالهم من الذين لم يتقدَّم بهم الشبابُ، فأمّا إذا شبُّوا واستَتَمُّوا قُوَّتَهم فليس لهم بُدٌّ من أن يَسْلُكوا طُرُقًا أخرى إلى الرزق، وعَمُّه صاحبُ تجارةٍ، وقد ماتَ أبوه تاجرًا، وجَدُّه كان صاحبَ تجارةٍ أيضًا؛ فما يَمْنعُه أن يَسْلُكَ الطريقَ التي ألِفَتْ قريْشٌ سُلوكَها؟».
ويضيف -بعد كلام- قائلا:
«ولَكِنَّهُ في ذلكَ الطَّوْرِ من أطْوارِ حياته ظهَرَتْ فيهِ خِصالٌ لم تكُن مأْلوفَةً في شبابِ قُرَيْشٍ، فهو شديدُ النَّفْرَةِ من اللهْوِ، وشديدُ النَّفْرَةِ من اللَّغْوِ أيضًا، وهو أبْعَدُ الناسِ عن التكَلُّفِ، وأقْرَبُهم إلى الإسْماحِ واليُسْرِ، وهو أَبْغَضُ الناسِ لهذه الأوْثانِ التي كان قوْمُهُ يعبُدونُها مخلِصينَ، أو متكلِّفينَ. وهو أَصْدَقُ الناسِ إذا تكَلَّم، وأوْفاهُم إذا عامَلَ، وأَبْعَدُهم من كلِّ ما يُزْرِي بالرَّجُلِ الكرِيمِ، وهو بَعْد ذلك أَوْصَلُ الناسِ للرَّحِمِ، وأَرْعاهُم للحَقِّ، وأَشَدُّهُم إيثارًا للبِرِّ، فهو يَجِدُ عَمَّهُ الذي كَفَلَه صبيًّا ويافِعًا، قد كثُرَ وَلَدُه، وقَلَّ مالُهُ، ويريدُ أنْ يعينَه دون أنْ يُؤْذِيَهُ، فيأْخُذُ منه صَبِيَّهُ “عَلِـيًّا”، ويرُدُّ عليه منَ العنايَةِ واللُّطْفِ والبِرِّ بَعْضَ ما أَدّى إليه أبوهُ حين كان صبيّا يتيمًا. وقد شاعَتْ عنه هذه الأخلاقُ، وعُرِفَ بهذه الصِّفاتِ حتّى أَحَبَّتْهُ قُرَيْشٌ، وسَمَّتْهُ “الأَمينَ”، وعامَلَتْه على أنّه الأمينُ حَقًّا».
Categories: ندوة الإربعاء
Sorry, comments are closed for this item.