بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين،  والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

أيّها السادة الأعزاء محبّي الثقافة والمعرفة السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

عدنا والعود أحمد، أرحّب بكم أيّها السادة الأساتذة وقد عدتم إلى جلستنا الأدبية بعد انقطاع نحو شهرين، أرجو أنّنا قد استفدنا وقمنا بعمل فيه خير وبركة. وقد تجمّع لديّ مواضيع سأعرض بعضها إن كتب الله.

واليوم أحيل الكلمة إلى الأستاذ النشيط المنير بن عبد الحميد بن سعدون، وقد كان هو في هذه الفترة في سلطنة عُمان الحبيبة، ولا بدّ أن تكون له ملاحظات وانطباعات سيفيدنا بها.

الحمد لله الذي أنعم علينا بهذه العودة الميمونة المباركة  لوطننا الجزائر العزيز المبارك بأهله وما أنعم الله فيه، ولندوة  إطلالة على كتاب، بالمكتبة الثقافية- التي هي في طور إعادة بنا وتوسعة الطابقين العلويين لفضيلة الشيخ إبراهيم محمد طلاي، بارك الله في عمره، ربّ يسّر وأعن يا كريم.

شيخنا الفاضل المحترم، أيّها الأحبّة الكرام، أعزّ الله المهتمين بالعلم والثقافة وأدب الرحلات، أحيّيكم بتحية أهل الجنّة فأقول: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

في هذه الإطلالة الطيّبة، الأولى في الموسم الاجتماعي الجديد 1434-1435ه /  2013-2014م، أعرض عليكم انطباعات عائد من سلطنة عُمان العامرة، أين قضينا الفترة الصيفيّة، كانت زيارة عمل علمي (فهرسة المخطوطات)، وسياحة استكشافية لعدّة أماكن في سلطنة عُمان، أين التقينا بشخصيات فاضلة من حقل العلم والتربية والثقافة.

أهمّية الرحلة في حياة الإنسان

في ذلك يقول الشيخ محمد الخضر حسين، في كتابه الرحلات: ” للرحلة فضل في نماء العلوم واتساع دائرتها، وكم من كتاب يعدّ في علمه من أمّهات الكتب هو وليد الرحلة؛ ومن فضل الرحلة أنّها حفظت لنا جانبا عظيما من التاريخ، حفظته الكتب التي يودعها مؤلّفوها ما شاهدوه في أسفارهم من وقائع وأحوال ؛ وإذا كان من أفضل آثار الرحلة عقد رابطة التعارف والتعاطف بين الشعوب، فعلى المستطيعين منّا أن يخصّوا البلاد الشرقيّة بجانب عظيم من رحلاتهم، ولو وجدوا في سبيل ذلك مشاقّ فوق ما يلاقونه في سبيل الرحلة إلى البلاد الأجنبية؛ ومن أدب الراحل أن ينصف البلاد التي ينزل بها، فيذكر محاسنها ويغتبط بما يلاقيه به أهلها من احتفاء ومؤانسة”.

نعم، لقد كانت استزادة معرفيّة مباركة، فقد تيسّر لنا، بفضل الله تعالى زيارة ولقاء ما يأتي:_

–   سماحة المفتي العام لسلطنة عُمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، الذي فرح بقدومنا وخصّنا بلقاء معه في بيته الكريم وفي مكتبه بالوزارة، استفدنا فيه من علمه الجمّ وفوائده الغالية.

–   الشيخ أحمد بن سعود السيّابي، في مكتبه بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية، حيث أهداني كتبا من تأليفاته الحديثة، منها: بيت مال المسلمين في عمان، والسيرة النبوية وتاريخ عمان وعن التربية البيئية.

–   مكتبة الشيخ طالب الظامري، بالسيب، مكتبة عامرة بالكتب العلمية والثقافية المتنوعة، وتختصّ بنشر التراث الإباضي، فعند تواجدي في المكتبة جاء عدّة زبائن يسألون عن تيسير التفسير للقطب وعناوين أخرى في التفسير عند الإباضية، وهو يدعو المؤلفين إلى عرض إنتاجهم عليه للنشر.

–   أ.د. أحمد بن خلفان الرواحي رئيس جامعة نزوى، منارة علم ورشاد، أنشأت في 3 جانفي 2004م، تعدّ أول مؤسّسة تعليم عالي أهليّة ذات نفع عام (على أساس غير ربحي) في سلطنة عمان، يبلغ عدد طلابها حتى العام الأكاديمي 2010/2011: 6100 طالبا، منهم طلبة جزائريون ومن مزاب. يجمعها تعاون أكاديمي وثيق بأكثر من 18 جامعة ومؤسّسة علمية في عدّة بلدان من العالم منها الجزائر ممثلا بمعهد المناهج بالعاصمة. أسهمت في نشر أكثر من 152 بحثا محكما و15 كتابا مؤلفا.

–       الشيخ محمود الصوّافي في مركزه الصيفي المشهور بمدينة سْنَاوْ، وهو مركز يستضيف طلبة متفوّقين في دراستهم، في الفترة الصيفية، يدرسون القرآن والعلوم الدينية ويجتهدون في حفظ المتون، من مناطق مختلفة من عمان ومزاب وجربة وليبيا، يجمعهم فضاء المركز وروح أخويّ وجوّ حميميّ راق، يلتفون حول الشيخ في سكينة ووقار، وهو معهم في أغلب أوقات اليوم. كما زرنا مثل هذه المرافق في مسقط وبهلى ونزوى، حيت عشنا اغلب الفترة بجوار مركز صيفي للشيخ إسماعيل العوفي بمبنى سكن طلبة معهد الشريعة في مسقط، فكانت أيّاما وليالي رمضانية قدريّة ملائكية.

–   الشيخ محمد بن ناصر الريامي، في مدينة إِزْكي، وهو من قدماء طلبة معهد الحياة بالقرارة في الستينات، متقاعد نشط، من رجالات التربية والتعليم الفاضلة وبرلماني سابق، والجلسة معه لا تقدّر بثمن، بما يفيدنا من علم وخبرة في مجال التربية والتعليم.

–   ناصر بن محمد الزايدي، في مسقط، وهو أول سفير لعُمان في الجزائر، من عهد الإمام غالب إلى عهد السلطنة، متقاعد ومؤلف كتب فكرية، وقد حضيت بعدّة جلسات معه، الجلوس إليه لا يشبع، لما يستفاد من خبرات في الحياة يتخلّلها فلدكة لطيفة في جوّ مرح جميل.

–   كما زرنا مناطق جميلة في منظرها الطبيعي الخلاب، الشبيه ببساتين مزاب، فالطقص متشابه في جوّه اللطيف وحرارته الجافة خاصة المناطق الداخلية للبلاد، مثل إزكي وبهلى ونزوى. حيث الرطب الجنيّة تنضج في أواسط شهر ماي، فكانت فرصة أن أكلنا الرطب الطيبة والمختلفة الألوان جيّدا، قبل نضجها في مزاب بكثير، ويتخلّل البساتين والديار سواقي مائية جارية صافية، معتنى بها، وهي نظام سقي يسمى بالأفلاج، جمع فلج، وهو يشبه ما عندنا في الجزائر في مزاب أو الفقارات في الجنوب الغربي للصحراء.

–            وكانت لنا سياحة إلى جبال الداخلية، الجبل الأخضر وهي مناطق عالية وعرة المسالك لكنّها معبّدة حديثا بأحسن التقنيات، آهلة بالسكان الأصليين، والصعود إليها لا يكون إلاّ بالسيارات الرباعية الدفع، ولا يسمح بغيرها من السيارات السياحية الصغيرة، أهلها طيّبون، استقبلنا الأستاذ سعيد الصقري، فكانت مفاجئة سارة لي حيث التقينا آخر مرّة في ندوة الباروني، وكان الجو مغيّما جميلا جدّا، تفسّحنا في قرى الجبل وبين بساتين التين والعنب والرمان وأشجار النخيل الباسقات ذات الطلع النضيد، وبعد الزوال أمطرت السماء خفيفا مرافقا لطيفا طيلة تواجدنا هناك.

–      لقد كانت رحلة ممتعة ومفيدة جدّا، تخلّله رمضان كريم طيّب مبارك فيه، نتمنّى مثلها أو أحسن منها لكلّ أخ عزيز، قال تعالى:” قُلْ سِيرُوا فِي الاَرْضِ فَانظُرُوا كَيْف … “.

الداعي لكم برحلات تواصلية: المنير عبد الحميد بن سعدون.