الوجه الحي لمقابر مزاب
جلسة يوم 03/02/2010م الموافق ليوم 19 صفر 1431هـ
أيّها السادة الحضور السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جلستنا في هذه الأمسية ستكون حول كتيّب صغير له قيمته الثقافية والاجتماعية، وهو حديث العهد لم يمرّ عليه شهر منذ طُبع.
موضوعه أو عنوانه: الوجه الحيّ لمقابر مزاب.
والعنوان نفسه ملفت للنظر، هل للمقابر وجه حيّ ؟
نعم، من الناحية الاجتماعية والثقافية والدينية أيضا، لمقابر ميزاب وجه حيّ.
يتحدّث فيه المؤلّف عن العادات المتأصّلة في مدن مزاب، من تخصيص يوم جمعة في شهرين من الشتاء يناير وفبراير، وربّما حتّى شهر مارس، بالاجتماع في مقابر خاصّة لتلاوة القرآن وجمع الصدقات وإلقاء الدروس والمواعظ وترشيد الطلاّب.
ومؤلّف هذا الكتيّب هو الأستاذ النشيط يوسف بن بكير الحاج سعيد. والمؤلّف بإصداره لهذا الكتاب يريد أن يسجّل هذا النشاط الاجتماعي وما يجري فيه ونظام سيَره، ويؤصّل هذه العادة ويسجّلها في التاريخ، فلا تبقى في الأذهان والقلوب دون مرجعية ثابتة.
وهذا عمل نبيل يسجّله التاريخ للأستاذ كما فعل في كتابه الهامّ تاريخ بني مزاب.
ولكي تأخذوا صورة واضحة عن الكتاب أقتطفُ فقرات من الكتاب.
يقول المؤلّف في مقدّمة الكتاب:
«تحتاج البشرية لصيانة جثث موتاها حاجتها لإسكان أحيائها، لذلك فإنّ لكلّ بلد من بلدان العالَم مقابر تتّحد وظيفتها، مهما اختلفت الملل والنحل، ومهما تعاقبت الأزمنة والحضارات.
إلاّ أنّ للمقابر المزابية وجهًا خاصّا يشعرك باِلْتحام الأحياء والأموات، حيث، إضافة إلى زيارة الأحياء للمقابر التي هي ظاهرة عالمية، تجدنا قد أقمنا فيها صروحًا لتجمّعات سنوية، خدمة للتكافل والتعاون بين الأحياء، تنفيذا لوصايا الأموات. فالأمر إذن وحدة اجتماعية لا تفتر بالموت، ولكنّها تقوى وتشتدّ به. فأنت، أخي القارئ، ستطّلع على الوجه الحيّ للقابر المزابية عمومًا، عبر هذا البحث الذي خصّصتُه للمقابر في بلدة بني يزقن، نموذجا لبقية المدن المزابية.
إنّ مقابرنا جزء من تراثنا العريق، بشقّيه المادّي والمعنوي، باعتبارها مؤسّسات حيّة تؤدّي خدمات جليلة للأحياء. لذلك فهي تستحقّ منّا الاهتمام اللائق بها، بحثا ودراسة وتعريفا.
يحتوي هذا البحث على بابين اثنين، تناولتُ في أحدهما ما يتعلّق بالمقابر بصفتها فضاء لدفن موتانا بعد تجهيزهم والصلاة عليهم، وخصّصتُ الباب الثاني للتجمّعات الدينية والاجتماعية التي تشرف عليها حلقة العزّابة سنويا في بنايات معدّة لهذا الغرض.
وإنّك ستجد دراسة معمارية لهذه الفضاءات، إلى جانب الوظائف التي أدّتها أو لا تزال تؤدّيها، وما طرأ لموسم المقابر من تحوّلات وتحديثات أمْلَتْها الظروف وتقبّلتها النفوس.».
وأنهى الأستاذُ كتابه قبل دعاء الختام بالفقرة التالية:
«حذار من التنكّر لأصالتنا، والانسلاخ من ثقافتنا. لا تحكم على الشيء قبل تصوّر حقيقته. نعم للتحسين والتحديث، لا للعزوف والترك والتعطيل والتضييع…».
Categories: ندوة الإربعاء
Sorry, comments are closed for this item.