الأغاني لأبي فرج الأصفهاني
الجلسة العشرون: 16/05/2012م الموافق ليوم 26 جمادى الثانية 1433هـ
إخواني الأساتذة محبّي الثقافة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
إطلالتنا في هذه الأمسية ستكون عن قصّة أوردها صاحب كتاب “الأغـاني” أبو الفرج الأصفهاني.
والقصّة لم تخلص لفنّ من فنون الثقافة؛ يمكن أن تشير إلى جانب من الجوانب الاجتماعية أو السياسية أو الأدبية أو الفقهية الدينية في تلك العهود خاصّة.
ربّما تقولون لي: ما ألجأنا إلى هذا النوع من الأدب غير الهادف؟ ما دامت هذه القصّة هي هكذا فلنتركها جانبا ولنُعرّج إلى الجانب الهادف الذي يفيدنا ويبعد عنّا ما نحن فيه من التهافت الثقافي.
أقول لكم: إنّ الأستاذ مصطفى محمود العقّاد يقول عن الموضوع:
«إنّ الذي لا يقرأ إلاّ ما يفيده كصاحب معدة مقروحة لا يأكل إلاّ ما يقيّده به الطبيب».
ولكن أقول لك: كن كصاحب المعدة السليمة، اقرأ كلّ شيء، واستفد ممّا تقرأ واطّرح ما يضرّك.
والقصّة أوردها صاحب كتاب “الأغـاني“، وقد اتُّهم صاحب الكتاب أنّ ما سطّره في كتابه الضخم “الأغـاني” لمدّة خمسين سنة له زَخَمٌ سياسي، وربّما حتّى ديني.
فلنقرأ هذه القصّة، ولنأخذها على علاّتها، والتعليق عليها يكون في النهاية بحول الله وخاصّة قضية الخوارج المشار إليها في القصّة، فلا تنبزكم هذه الكلمة، لأنّنا تَبَرّأنا من الخوارج وآرائهم الشاذّة رغم أنّ فيها ما هو حقّ.
إليكم القصّة:
«حدَّث أبو دلامة قال: أتى بيَ المنصورُ وأنا سكران، فحلف لَيُخْرِجنّني في بَعْثِ حربٍ، فأخْرجني مع رَوْح بن حاتم لقتال الخوارج، فلمّا الْتقى الجمعان قلتُ لروْحٍ: والله لو أنّ تحتي فرَسَكَ ومعي سلاحُك لأثّرْتُ في عدوّك اليوم أَثَرًا ترْتضيه، فضحك وقال: والله العظيم لأدْفَعَنَّ ذلك إليك، ولآخذنَّك بالوفاء بشرْطك، ونزل عن فرسه ونزع سلاحه ودفعهما إليَّ، فلمّا حصل ذلك في يدي، وزالت عنّي حلاوةُ الطمع، برز رجلٌ من الخوارج يدعو للمبارزة، فأشار رَوْحٌ أَنِ اخْرُجْ إليه يا أبا دلامة، فقلتُ: أُنشدُك الله أيّها الأمين في دمي، قال والله لتَخْرُجَنَّ، فقلتُ: أيّها الأمير، أنا والله جائع فمُرْ لي بشيء آكله ثمّ أَخْرُجُ، فأمر لي برغيفيْن ودجاجة، فأخذْتُ ذلك وبرزْتُ عن الصفّ،
فلمّا رآني الخارجيّ أقْبَلَ نحوي وعيناه تتّقدان، فقلتُ له: أتَقْتُلُ مَن لا يُقاتلُك؟ قال: لا، قلتُ: أتقْتُلُ رجلا على دينك؟ قال: لا، فاذْهب عنّي إلى لعنة الله. قلتُ: لا أفعلُ أوْ تسْمَعَ منّي. قال: قلْ،
قلتُ: هل كانت بيننا قَطُّ عداوة؟ قال: لا والله، قلتُ: ولا أنا والله، وإنّي لمؤيّدك، أيْ إنّي أُناصرُ مذهبَك وأَدينُ بدينك، قال: يا هذا جزاك الله خيرًا، فانْصَرَفَ،
قلتُ: إنّ معي زادا أحبُّ والله أن آكُلَهُ مَعَكَ، وأحبُّ مؤاكَلَتَكَ لتتأكّد المودّةُ بيننا، ويرى أهْلُ العَصْرِ هوانَهُم علينا. قال: فافْعلْ،
فتقدّمتُ إليه حتّى اختلفت أعناقُ دوابّنا والناس قد غُلبوا ضحِكًا، فلمّا استوفينا قلتُ له: إنّ هذا لجاهلٌ إن أقمتَ على طلب المبارزة نَدَبَنِي إليك، فَتُتْعِبُني وتَتْعَبُ، فإن رأيتَ أنْ لا تَبْرُزَ اليوم فافْعَلْ، قال: قد فعلتُ والله، ثمّ انصرَفَ وانْصرفتُ لروْحٍ، فقلتُ له: أمّا أنا فقد كفيتُكَ قِرْني، فقل لغيري أن يكفيَكَ قِرْنَه كما كفيتُكَ.».
Categories: ندوة الإربعاء
Sorry, comments are closed for this item.