موقع الشيخ طلاي

Menu

إنتشار الدعاة عبر وسائل الإعلام – الشيخ يوسف القرضاوي

نقلاً عن موقع الجزيرة. نت – قدمت هذه الحلقة من برنامج الشريعة والحياة على قناة الجزيرة القطرية بتاريخ 27-1-2008، قدمها عثمان عثمان.

عثمان عثمان: مرحبا بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى هذه الحلقة من برنامج الشريعة والحياة. سيدي كنت قد سألت في بداية الحلقة عن الكثير ممن يتصدون للحديث عن الإسلام عبر وسائل الإعلام المختلفة، كيف ترون المشهد؟

يوسف القرضاوي: والله المشهد مشهد مؤلم حقيقة، لأنه أصبح الأمر يعني شبه فوضى وليست هي الفوضى التي يقولون عنها الفوضى الخلاقة بل هي فوضى هدامة. كما ذكرتم في المقدمة أصبح الأمر كلأ مباحا. يعني كان السلف يتحرون في هذه الأمور ويخافون خصوصا ما يتعلق بالأحكام وما يتعلق بالفتاوى، ما كان أحدهم يجرؤ على الفتوى، وقد جاء في الأثر “أجرؤكم على الفتوى أجرؤكم على النار”. أصبح هناك كثير من الشباب، من الأولاد الصغار يجرؤون على الخوض في المسائل العويصة العلماء الكبار يخافون الكلام فيها، هم لا يبالون، وكما قال أحدهم لأحد المشايخ بل قال أحدهم عن أبي حنيفة ومالك.. هم رجال ونحن رجال، يعني هذا المفعوص، هذا يسوي رأسه برأس الأئمة الكبار، هذا في الحقيقة يعني استهانة بهذا العلم العظيم، علم الدين الذي هو علم النبوة، والعلماء هم ورثة النبوة،”العلماء ورثة الأنبياء”، وهذا الذي جاء في الحديث يحمل هذا العلم، يعني علم النبوة، من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، أعدل أبناء الدين هم الذين يحملون هذا الميراث العظيم. فالأمر يحتاج إلى إعادة النظر في هذه المسألة، يعني ينبغي التحدث مع وسائل الإعلام نفسها، مع المؤسسات التي تفتح أبوابها لكل من هب ودرج من الناس.

عثمان عثمان: ربما نتطرق إلى هذا الموضوع في سياق الحلقة فضيلة الدكتور. ولكن هل ترون أن السبب هو غياب طبقة العلماء؟ أم أن السبب أن هذه الطبقة لم تستطع مواكبة العصر؟ أم تطفل الآخرين في المجال الديني، طمعا طبعا في الشهرة وفي الوجاهة الاجتماعية؟

يوسف القرضاوي: والله هو هذا كله وارد يعني. هناك كثير من العلماء يتعففون عن الظهور في البرامج الإعلامية. أعرف من إخواننا العلماء الذين عاشوا عمرهم في العلم، ما يقارب الثمانين سنة وهم يعيشون في أعماق العلم وفي التراث وفي كذا، ومع هذا لا يرضون أن يظهروا في أي برنامج تلفزيوني أو هذه الأشياء، بينما الصغار يسارعون إلى هذا. وأعتقد أيضا أن هؤلاء العلماء عليهم مسؤولية، لأن غيابهم فتح الباب لغيرهم. ثم هناك أمر آخر يتعلق بغير مسألة تطفل هؤلاء على هذا الأمر وهم ليسوا له أهلا، أنه طبيعة العصر الذي نعيش فيه، عصر نسميه عصر السرعة، يعني من ضمن اللي ما يوصف، من يصف ذاك، عصر الساندويتش، يعني الإنسان ليس عنده فراغ ليجلس على المائدة ويأتي طبق بعد طبق وكذا، لا، يريد ساندويتش ياكله وهو ماشي، يعني وكما يقال هذا في الغذاء المادي قل هذا في الغذاء الفكري أو الغذاء العلمي أو الغذاء الروحي، ناس عايزين ساندويتشات، وهذا لا ينبغي أن يقر الناس عليه. ينبغي أن يكون هناك.. في ساندويتش أحيانا، وجبات السريعة للي مستعجل، ولكن في أحيانا الإنسان لازم يجلس على مائدة ويجلس مع أسرته ويجلس مع أهله، ويعني لا ينبغي أن يغلب صنف من العلم، الصنف المستعجل هذا على الصنف الأساسي، حتى يحدث التوازن والتكامل في حياتنا.

عثمان عثمان: ربما هذا، فضيلة الدكتور، يقودنا إلى سؤال حول أنه كان للعالم هيبة، كان للعلم أيضا هيبة، لا يقتحمه، لا يدعيه إلا من هو أهل له. ما الذي تغير الآن؟

يوسف القرضاوي: العالم كان له هيبة والعلم كان له هيبة وكان العالم الذي يعيش طول عمره للعلم والناس شايفينه مكب على العلم، وليس هو بس مكبا على العلم، مكبا على العلم ومكبا على العمل وعلى التقوى وعلى الاستقامة، فكان إذا ظهر في مجلس هابه الناس. شوقي يصف هذا في قصيدته الشهيرة في الأزهر يقول:

قم في فم الدنيا وحيي الأزهرا وانثر على سمع الزمان الجوهرا

واخشع مليا وارعَ حق أئم طلعوا به زهرا وماجوا أبحرا

كانوا أجل من الملوك جلالة وأعز سلطانا وأفخم مظهرا

شوف، أجل من الملوك، هكذا كان العالم. الآن إذا بشخص، شخص حليق، شخص كذا، يعني ما عاد له هذه الهيبة ولم ير الناس عليه ما يجعلهم يهابونه ويحترمونه، ومن هذا قل قبول هؤلاء بما يقبل به العالم الممكن المحترم.

عثمان عثمان: البعض من هؤلاء يقول نحن لا نمارس دورا علميا في إصدار الفتاوى، وإنما نمارس دورا دعويا في وعظ الناس، في إرشادهم، في توجيههم إلى ما فيه الخير.

يوسف القرضاوي: حتى الدور الوعظي، صحيح دور الأحكام له أهمية خطيرة، وإن كان بعضهم يمارس الفتاوى، حتى هؤلاء أحيانا أجدهم يمارسون الفتاوى ويتعرضون للأحكام. ولكن حتى دور الوعظ والدعوة، الدعوة هي أمر سهل؟! أنت بتبلغ رسالة الله إلى الناس، لا بد أن تبلغها يعني تامة غير ناقصة، لا بد أن تبلغها حسنة غير مشوهة، لا بد أن تبلغها راشدة ناضجة غير قاصرة، لازم تبلغ.. لماذا أصبح يشيع بيننا هذا الغلو، ناس يغلون في الإسلام وناس يتسيبون من الإسلام، هذا الغلو من ناحية والتسيب، نتيجة عرض الدعوة، أنه ناس عرضوا الدعوة عرضا قاصرا عرضا مشوها فصغروا الكبير وكبروا الصغير وعظموا الهين وهونوا العظيم، هذا أمر مهم جدا، ليس أمر الدعوة بالأمر الهين لأن أمر الأنبياء، أول ما بلغ الأنبياء بلغوا الدعوة. الرسول عليه الصلاة والسلام ظل 13 عاما في مكة يبلغ الدعوة، لم تنزل أحكام ولا تشريعات، تعليم الناس العقيدة، تعليم الناس القيم، تعليم الناس الأخلاق، هذا أمر في غاية الأهمية ويجب أن يعلم هذا الأمر بتوازن وتكامل.

عثمان عثمان: نعم فضيلة الدكتور، حول السيولة في المعرفة الدينية وتوصيف واقعها، اسمح لنا أن نشاهد سوية التقرير التالي.

لينا الغضبان: سيل من الفتاوى والمعلومات الدينية الصحيحة والمغلوطة تنهمر على المشاهد العربي عبر العشرات من البرامج على قنوات فضائية عامة ومتخصصة، ويبقى على المتلقي أن يفرز الذهب من الصفيح أو الجيد من السيء، مهمة ليست بسهلة لا سيما مع غياب المعايير الواضحة لمن يحق له التصدي للفتوى أو الدعوة خاصة مع ارتفاع الشعبية الجماهيرية لهذا النوع من البرامج.

عبد المنعم فودة/ مستشار شيخ الأزهر: قلنا أنه واحد مريض جيتي تديله أي علاج يقول لك لا بد أن يذهب إلى طبيب، عمارة تريد أن تبنيها يقول لك لا بد أن تأتي بتقرير هندسي من مهندس متخصص. إش معنى الدين هو الوحيد يعني الحيطة القصيرة التي يتسلق عليها الجميع لكي يتولى أمر الدين؟! إش معنى؟!

لينا الغضبان: هذا التساؤل يطرحه أيضا علماء دين يقدمون الفتوى والمعلومة الدينية عبر وسائل غير تقليدية كالإنترنيت، وإن كان هؤلاء يرون في تعدد مصادر المعلومة الدينية ظاهرة إيجابية في مجملها، إلا أنهم في ذات الوقت يحذرون من عواقب هذه الظاهرة إن لم توضع لها ضوابط محددة.

رجب أبو المليح/ المشرف على الفتوى في إسلام أونلاين: الفتوى لها رجالها ولها تخصصاتهم ولها علماؤها، الدعوة لها رجالها ولها تخصصاتها، التزكية، إلى آخره. فهو لو سلك الطريق صحيح يبقى هو فعلا يعني يعمل في جانب إيجابي، لكن هو لو سأل غير متخصص، وغير المتخصص هذا لم يحترم تخصصه ثم خاض فيما لا يعرفه فهنا تحدث الكارثة، أنه أنا أسأل مثلا واعظ في فتوى أو أسأل داعية في أمر فقهي.

لينا الغضبان: ومع اختلاف الآراء يبقى التأكيد على ضرورة الالتزام بالتخصص وبالدراسة سواء في الجامعات أو على أيدي مشايخ وعلماء لمن يتصدى للفتوى. أما تقديم المعلومات الدينية بعيدا عن إطار الفتوى فيرى البعض أن شروطه أقل صرامة، وإن ظلت الدراية التامة بتفاسير القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة شرطا أساسيا لمن يتصدى للحديث في الدين بشكل عام. لينا الغضبان، الجزيرة لبرنامج الشريعة والحياة، القاهرة.

ضوابط نشر المعرفة الدينية

عثمان عثمان: ربما هذا التقرير يقودنا إلى سؤال، يعني هل المعرفة الدينية إنتاجا وتصديرا هي مشاع للجميع؟ مع العلم أننا نعرف أنه لا كهنوت في الإسلام.

يوسف القرضاوي: آه لا كهنوت في الإسلام، ونحن دائما نقول ليس في الإسلام رجال دين. ولكن هذه كلمة أحيانا يتخذها بعض الناس ككلمة حق يراد بها باطل، فيريد أن يقول ليس في الإسلام رجال دين أي لا يوجد علماء دين، لا، لا يوجد رجال دين بالمعنى الكهنوتي، كهنوت متوارث بزي معين بكذا، لا، إنما يوجد في الإسلام علماء دين، الإسلام أمر أن يعد هؤلاء {..فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}[التوبة:122] هؤلاء هم العلماء الذين هم ورثة الأنبياء. الإسلام فيه علماء دين متخصصون وهم الذين يجب أن يرجع إليهم في الملمات {..فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}[النحل:43]، الإسلام يأمرنا أن نرجع في كل شيء إلى الخبراء به يعني يقول {..فاسأل به خبيرا}[الفرقان:59]، {..ولا ينبئك مثل خبير}[فاطر:14]، هذا في كل شيء، فكيف بأمر الدين؟! الذي يتعلق بأعظم قضية مصيرية في الوجود، يعني قضية الجنة والنار، قضية الآخرة، قضية النجاة أو الهلاك. فهذا أمر الدين ليس أمرا هينا. فكيف، زي ما أشار بعض الإخوة، أنه كل شيء يحترم فيه التخصص إلا الدين؟! لا يسمح لمهندس أن يدخل في الطب ولا لطبيب أن يدخل في اختصاص غير اختصاصه، يعني هو جراح مالوش دعوة بالباطني، أنت طبيب عيون مالكش دعوة بالأسنان، الطب تخصصات عدة، إلا الإسلام كل واحد يريد أن يصبح هو شيخ الإسلام، فهذا أمر مرفوض تماما فلذلك لا بد أن يراعى هذا الأمر. يعني التقرير بيقول أمر الدعوى يعني يتساهل فيه، صحيح أمر الدعوى ليس كأمر الفتوى ولكن حتى الدعوى إذا تركت لهؤلاء الناس الذين لا توجد عندهم المعايير ولا الضوابط يمكن يفسد أكثر مما يصلح، لأنه يبالغ في بعض الأمور. يعني كما حدثني بعض الآباء أن ابنته تصحو تفزع من النوم، بيجيلها كوابيس شديدة، بعدين سألته ألا تعرف السبب؟ قال لي والله من يوم ما رأت شريطا أو سمعت شريطا في عذاب القبر، يصور عذاب القبر حيات كالأفيال وعقارب كالبغال وكذا، وهذا لا يوجد في قرآن ولا سنة، فحتى الدعوة إذا تركت لهؤلاء المبالغين يمكن أن يفسدوا أمر الدعوة نفسها.

عثمان عثمان: فضيلة الدكتور ربما هذا يقودنا أيضا إلى سؤال آخر، هل المعرفة الدينية هي يعني مرهونة أو مرتهنة للمؤسسة الشرعية أم للتخصص؟

يوسف القرضاوي: لا المؤسسة الشرعية تفتي الناس في قضايا معينة، حينما يلجأ الناس إليها في بعض القضايا تفتي في بعض الأشياء. يعني مؤسسة الفتوى مثلا، هناك الأزهر عمل، قال في مؤسسة للفتوى، وفي مؤسسة للقضايا الكبيرة اسمها مجمع البحوث الإسلامية، ومن أجل هذا أنشأ المسلمون مجامع الفقه، مجمع الفقه لرابطة العالم الإسلامي، المجمع الفقهي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، المجمع الفقهي الإسلامي الهندي، المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، كل هذه مجالس متخصصة تفتي، ولكن يظل الفتوى اليومية لما يعتري الإنسان من قضايا يريد أن يعرف فيها الحلال من الحرام والمقبول من المردود والصحيح من الفاسد يظل الإنسان في حاجة إلى أن يسأل العلماء، وحتى المؤسسة الدينية ليست دائما موضع الرضى والقبول كثيرا، هذه موقوفة على العالم نفسه، أحيانا عالم يكون مقبول عند الناس لسعة علمه ولإخلاصه ولتقوى الله ولمراعاة الحدود والضوابط، وبعض الناس لا يثق الناس بهم فلا بد مع المؤسسة الدينية الرسمية من الرجوع إلى المؤسسات الشعبية وإلى أفراد العلماء، لا يستغني الناس عن هذا، فهذا أمر لا يمكن الاستغناء عنه في حياة المسلمين.

عثمان عثمان: فضيلة الدكتور، هناك كتابات عديدة الآن أتت من خارج التخصص العلمي وتسعى لكسر منظومة العلوم الشرعية باعتبار أنها علوم تاريخية غير ملزمة تحتوي على الكثير من المشكلات والمتناقضات، ربما انخدع بهذا الكلام الكثير من العامة. السؤال، ما مصير المعرفة الدينية المنضبطة في ظل كل ذلك، خاصة مع وجود وسائل الإعلام المختلفة والعابرة للقارات؟

يوسف القرضاوي: هذا الكلام لا يقبل، يعني ممكن نقبل بعض الناس من غير التخصص العلمي إذا التزموا بالقواعد الشرعية والضوابط المرعية وكان عندهم الأسس العامة للمعرفة الدينية، ممكن واحد يعني يتحدث عن الإعجاز العلمي في القرآن وهو أستاذ من أساتذة الرياضيات أو العلوم الكونية أو البيولوجية أو الجيولوجية، نقبل منه هذا بشروط و قيود معينة. إنما أن يأتي بعض الناس من خارج التخصصات ويريدون أن يهدموا تراثنا العلمي وأن يطعنوا في أئمتنا وأن يطعنوا في فقهنا ويريدون أن يجعلوا من هذا كأنه شيء تافه، هذه تركة عظيمة خدمتها عقول عبقرية خلال 14 قرنا طوال هذه القرون، حتى القرون المتأخرة كان فيها علماء كبار كان لهم وزنهم، لا يمكن أن نهيل التراب على هذه التركة كلها. المؤتمرات العالمية اعترفت بهذا التراث الفقهي، مؤتمر لاهاي ومؤتمر باريس، والمؤتمرات، والكبار من القانونيين المدنيين اعترفوا بهذا الأمر. السنهوري يعني ألف كتابا اسمه “صادر الحق في الفقه الإسلامي” وهو أشاد بقدرة الفقه الإسلامي على مسايرة الحياة ومواكبه التطور، يحتاج إلى فقط ناس تسمع، إنما ناس يريدون أن نهيل التراب على هذا، هذا أمر غير مقبول وهو قول لمن لا يعي هذا الأمر. والعجيب أن الذين يقولون هذا عن الفقه يشيدون بأئمته في الغرب، أبو حنيفة ومالك وهؤلاء يريدون ألا يجعلوا لهم قيمة بينما أئمتهم الغربيون يرفعونهم إلى السماء السابعة، هذا الكلام يعني هذا لا يقبل من أمة تحترم ذاتها، أمة ذات حضارة وذات رسالة وذات تاريخ عريق وسادت العالم حوالي عشرة قرون وحكمها هذا الفقه وهذه الشريعة مهما قلنا أنه في بعض الفترات أصابها الجمود ولكن حتى مع أوقات الجمود كان يظهر ما بين الحين والحين علماء يعني يومضون في الظلمات كالكواكب النيرة مثل ابن تيمية وابن القيم والشاطبي والصنعاني والشوكاني والدهلوي، في العصور المتأخرة ظهر هؤلاء الكواكب المتألقة فكان لها أثرها في إحياء الفقه وفي تجديد الاجتهاد وفي حل مشاكل الأمة في ضوء الشريعة، في كل العصور لم يخل عصر من العصور. الإمام السيوطي له رسالة قيمة يرد فيها على من زعم أنه ممكن أن يخلوا عصر من مجتهد، والأئمة الحنابلة يقولون لا يمكن أن يخلو عصر من مجتهد، سنة الله أن كل عصر لا بد فيه من مجتهد وإن لم يدع الاجتهاد، هو مجتهد ولكن لا يقول إني مجتهد. الإمام السيوطي ظهر في القرن التاسع الهجري وأوائل القرن العاشر وادعى الاجتهاد فقام عليه من قام وقالوا إن ده الاجتهاد المطلق بابه أغلق، فرد عليهم بهذه الرسالة القيمة “الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض” الاجتهاد فرض في كل عصر ولا يخلو منه عصر من العصور. فزعم هؤلاء يعني من يقرأ كلامهم يجد أنه كلام غير منطقي وغير علمي وغير موضوعي وهو مردود عليه، وقد رد عليه العلماء الراسخون بالأدلة العقلية والعلمية المعتبرة وأثبتوا أن هذا كلام لا وزن له ولا يقوم عليه دليل من عقل ولا نقل.

دور الإعلام في تكريس الدعاة النجوم

عثمان عثمان: البعض، فضيلة الدكتور، يرى الإعلام ربما ساهم في هذه المشكلة وأدى إلى تسطيح المعرفة إلى يعني إيجاد نجوم في الجانب الديني في الفتوى والدعوى والوعظ، إلى غير ذلك يعني. ما التأثير الذي ترونه لفكرة النجومية في المعرفة الدينية؟

يوسف القرضاوي: والله الإعلام طبعا مسؤول بعض المسؤولية عن هذه القضية وتسطيح المعرفة بوجه عام. يعني بعض الناس الكبار كانوا يخافون من التلفزيون حتى قالوا إنه.. الدكتور طه حسين يقول “إن التلفزيون هذا جهاز قاتل للثقافة” لأنه ضد تعميق الثقافة، دائما مع تسطيح الثقافة، إذا كان هذا بالثقافة العامة فكيف بالثقافة الدينية والشرعية؟ ولذلك نحن نقول.. السؤال إنت كنت بتقول إيه؟

عثمان عثمان: موضوع أن التلفزيون يسطح المعرفة، يوجد نجوم، نجوم في الفتوى والدعوى، النجومية نعم.

يوسف القرضاوي: النجومية ومسألة النجومية. والله النجومية هذه بعضها صحيح وبعضها غير صحيح. يعني بعضهم يصل إلى الشهرة عن جدارة، يعني بعد رحلة طويلة ومعاناة، ويمكن أن يصل إلى ما يسمونه النجومية. ولكن البعض يأخذها بغير حق، عن طريق الدعاية وعن طريق التلميع وعن طريق.. وعلى فكرة، علماؤنا القدامى ما كانوا يبحثون عن هذه المظاهر، النجومية أو الشهرة، بالعكس كان بعضهم يفر من الشهرة، بعضهم كان يفر من الفتوى، يقول له اسأل فلانا. ابن عمر يقول “يريدون أن يتخذوا ظهورنا مطايا إلى جهنم”، ابن مسعود يقول “إن الذي يفتي الناس في كل ما يسألونه لمجنون” يفرون، وكل واحد يحيل، يعني يقول له روح اذهب إلى فلان، لأنهم يعني يخافون الله ويخافون من الرياء ويخافون من الشهرة دي تحبط أعمالهم، ويقرؤون الحديث “إن الله يحب الأتقياء الأخفياء الذين إذا حضروا لم يعرفوا وإذا غابوا لم يفتقدوا” فالعالم الحق يحاول أن يهرب من أضواء الشهرة، وأما بعض هؤلاء فهو يبحث عنها، ويقعد يدبر مع القناة الفلانية ومع التلفزيون الفلاني، يظهر هنا مرة وهنا مرة وهنا مرة، يعني ويسلط الأضواء عليه ويقول للناس يجعل له ناس يعملوا له يعني هليلة ويضخمون في أمره.

عثمان عثمان: طيب دكتور يعني أمام هذا الواقع، يعني هناك نجومية حقيقية، هناك نجومة وهمية. أمام هذا الواقع، المتلقي الذي يتلقى المعرفة الدينية، يتلقى المعلومات الدينية عبر وسائل الإعلام المختلفة، أنى له أن يميز بين الحقيقة والوهم؟ بين العالم الرباني الحقيقي وبين النجم التلفزيوني مثلا؟

يوسف القرضاوي: هو هذه حقيقة لا نستطيع أن ننكرها، أن عامة الناس لا يستطيعون أن يميزوا بين الجيد والرديء، بين العالم الحق وبين العالم الذي يقوم على أساس التهويش وكذا، بين البضاعة الجيدة وبين البضاعة الرديئة، الناس لا يعرفون هذا. ولذلك كثير من الناس لا يفرقون بين الداعية وبين الفقيه، بين الواعظ والمفتي، ويظنون أن كل من يهز أعواد المنابر وكل خطيب جيد هو مفتي جيد، لا…

عثمان عثمان (مقاطعا): ما حل هذه المشكلة؟

يوسف القرضاوي: يعني المزيد من توعية الناس. لا بد أن نتصل بالناس ونحاول أن نخرجهم من هذه الأمية، الأمية الدينية والأمية الثقافية، هذه تتعلق بثقافة الأمة أيضا العامة…

عثمان عثمان (مقاطعا): يعني هل هناك من ضوابط محددة؟

يوسف القرضاوي (متابعا): الأمة العامة يغلب عليها هذه الثقافة المسطحة يعني، وكل الأمة مسؤولة عن هذا، ليس علماء الدين وحدهم المربون مسؤولون عن هذا الصحفيون مسؤولون عن هذا الجامعيون مسؤولون، كل يعمل في.. حتى نرتفع بمستوى الأمة بحيث تقدر على التمييز.

عثمان عثمان: ربما هناك يعني قضايا كثيرة تطرح في الإعلام وتطرح في المنتديات، كيف للمتلقي، لكل إنسان يتلقى هذه المعلومات، وهذه المعرفة أن يحدد أولوياته وانشغالاته؟

يوسف القرضاوي: هذا كما قلت يحتاج إلى تثقيف وتفقيه..

عثمان عثمان (مقاطعا): هل هناك من ضوابط، فضيلة الدكتور، بهذا الإطار؟

يوسف القرضاوي: طبعا هناك ضوابط. يعني إحنا في عندنا كتاب اسمه “فقه الأولويات” يقوم على كيف يعني تعرف أن هذا الأمر أولى من غيره، العقيدة أولى من العمل، والعمل بالأركان وإن كانت واجبات أهم من العمل من الواجبات غير الركنية، وأن الواجب مقدم على المستحب، يعني هذا في الجانب الديني، في جانب المأمورات، في جانب المنهيات. هناك نجد العقيدة أولا، الكفر هو أكبر الكبائر، وبعدين هناك كبائر، وبعدين هناك صغائر محرمة، هناك شبهات، هناك مكروهات، هناك خلاف الأولى، كل شيء في أولويات، الكيف والكم، كيف نقدم الكيف على الكم…

عثمان عثمان (مقاطعا): هذا لطالب العلم.

يوسف القرضاوي (متابعا): الجوهر والشكل، يعني هذا يحتاج إلى تثقيف الأمة، الأمة في حاجة إلى تثقيف مستمر، وكما قلت هذا واجب كل أهل الفكر وكل المسئولين عن توجيه الأمة.

آداب المفتي والمستفتي

يوسف القرضاوي: هذا الأمر مهم جدا، التكوين العلمي. لا ينبغي أن يتصدى لدعوة الناس أو لإفتاء الناس إلا من تكون تكوينا علميا، خصوصا الإفتاء، خصوصا الحديث عن الأحكام، هذا حلال وهذا حرام، هذا واجب وهذا مستحب، هذا صحيح وهذا فاسد، هذا مقبول وهذا مردود، هذا لا يقدر عليه إلا أولوا العلم، والعلم هذا لا يأتي اعتباطا، هذا العلم يعني له مؤسساته، يعني لا بد أن يتلقى العلم عن أهله، المفروض أن العلم يؤخذ عن أهله، كل علم له أهله، لا بد أن يؤخذ… مش ممكن واحد يروح يتعلم الهندسة في مدرسة الصناعة، لازم يتعلمها في كلية الهندسة من أناس كبار درسوا.. كل علم لازم يؤخذ من أهله. ولذلك علماؤنا من قديم حذروا من هذه الناحية، قالوا لا تأخذ العلم من صحفي ولا القرآن من مصحفي. ما تأخذش علم القراءة من واحد خذ القراءة من المصحف، ما تأخذهاش من مقرئ، المقرئ أخذها عن مقرئ آخر عالم ومن.. وأخذها عن عالم، إنما واحد تعلم في المصحف، لا.

عثمان عثمان: يعني هذه مسألة النسب العلمي…

يوسف القرضاوي (مقاطعا): آه لا بد من نسب متصل، يؤخذ العلم من أهل العلم، لا تأخذ العلم من صحفي، ما معنى صحفي؟

عثمان عثمان (مقاطعا): نعم صحيح هذا سؤال أريد أن أسأله كنت.

يوسف القرضاوي (متابعا): الصحفي هو الذي يتعلم العلم من الصحف لا من مشايخ العلم، لا من أهله الثقات، ولذلك يمكن يفهم المسألة غلط ولم يجد من يصحح له. علماؤنا القدامى يقول لك مثلا ابن حجر الهيثمي قرأ كتابه التحفة على ثلاثمائة من طلاب العلم، من طلاب العلم ده علماء هم علماء، قرأه عليهم، يقرؤه عليهم فقرة فقرة وهم يصححون له ويردوه، يقولون لا العبارة دي ليست سليمة تماما، العبارة دي كذا، ويصحح ويأخذ حتى من تلاميذه، هذا هو العلم الحقيقي. إنما نجد بعض هؤلاء قرأ له كتاب في الحديث يظن أنه أصبح مفتيا، قرأ له كتابا في الفقه يظن.. هذا هو الوهم والغرور، هو العجب المهلك، النبي عليه الصلاة والسلام يقول “ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه “، يعجب بنفسه يظن أنه أصبح يعني عالما كبيرا، والمفروض أنه دائما يعني كما قالوا لا يزال المرء عالما ما طلب العلم فإذا ظن أنه علم فقد جهل، إذا قال أنا خلاص وصلت يبقى هذا هو الجهل الحقيقي، لأن لا أحد يصل إلى حقيقة العلم، يأخذ منه ما استطاع {..وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}[الإسراء:85]{..وقل رب زدني علما}[طه:114] فدائما العالم يتعطش إلى المزيد ويظل يطلب العلم من المهد إلى اللحد كما قال سلفنا.

عثمان عثمان: طبعا هذا يذكرنا بقول السلف الصالح، العلم يؤخذ من الصدور وليس من السطور. متابعة فضيلة الدكتور، طبعا هناك أدب عند العالم، أدب عند المتعلم، أدب عند المفتي وعند المستفتي. كيف لنا أن نعيد هذه الآداب إلى واقع حياة الناس؟

يوسف القرضاوي: أنا بس أريد أن أعلق على يؤخذ من الصدور لا من السطور. لا، يؤخذ من السطور أيضا بس بعد أن يأخذه من الصدور، بعد أن يأخذه من الثقاة يصبح قادرا على أن يقرأ بنفسه. لن يظل الإنسان يعني أمام العالم، هو العالم يعطيه المفاتيح والمصابيح التي يسير بها في الطريق وبعد ذلك عليه أن يقرأ، إذا قرأ وحده يعني تعب جدا حتى يفهم وقد لا يفهم الفهم الصحيح. قلت إيه..؟

عثمان عثمان: آداب العالم والمتعلم، المفتي والمستفتي.

يوسف القرضاوي: آداب العالم والمتعلم وآداب المستفتي والمفتي..

عثمان عثمان (مقاطعا): كيف يمكن أن نعيدها إلى واقع حياة الناس؟

يوسف القرضاوي: هذا لا بد منه، من غير هذا، من غير أن نتعلم الآداب، كل علم له آدابه، ولذلك يحرص العلماء أن يلقنوا طالب العلم أدب العلم قبل أن يلقنه العلم، أنه يتعلم الأدب، وبعضهم يقول لك الأدب فضلوه على العلم، وده كلام صحيح، أنه قبل ما يتعلم يتأدب ويعرف قدر الناس الآخرين، كيف يتعامل مع شيخه كيف يتعامل مع زملائه كيف يتعامل مع من هو أصغر منه كيف يطلب من الله عز وجل أن يهديه في المشكلات ويرزقه نورا يفرق به بين المتشابهات، كما قال ابن القيم إذا أشكلت عليك مسألة فقل اللهم يا معلم إبراهيم علمني. يلجأ إلى الله يستعين بالله، لأن هذا علم الدين لا بد فيه من الاستعانة بالله عز وجل، {..إياك نعبد وإياك نستعين..}[الفاتحة:5].

عثمان عثمان: فضيلة الدكتور، يعني أمام هذه السيولة العارمة من المعرفة الدينية وغير المنضبطة، ما الدور الذي يمكن أن يلعبه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في هذا الإطار؟ طبعا هذا الاتحاد الذي أنتم على رأسه.

يوسف القرضاوي: هذا الاتحاد هو نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى وفقنا الله في السنوات الأخيرة إلى إنشائه ليكون مظلة عامة للمسلمين، ليجمع كلمة المسلمين ليربط بين علماء الأمة بعضهم وبعض. علماء الأمة تفرقت بهم الديار والأقطار وتفرقت بهم المذاهب وتفرقت بهم الاتجاهات المختلفة، فأردنا بهذا الاتحاد أن نجمع علماء الأمة، يعني سنيهم وشيعيهم وأباضيهم وأن يلتقوا في القضايا الكبرى على موقف واحد. هناك قضايا جزئية يرجع فيها إلى أهل المذاهب إنما هذا الاتحاد يقول كلمته في القضايا الكبرى وينور الأمة في القضايا العامة ولذلك عملنا ميثاقا إسلاميا لعلماء الأمة، يعني هذا الميثاق يقوم على تحديد الرؤية في القضايا الكبيرة كيف يكون موقف الإسلام منها حتى ينضم إلينا من انضم على هذا الأساس، نصدر بعض كتيبات أيضا لتنير عقول الأمة، بدأنا في سلسلة بدأتها بكتابي “موجبات تغير الفتوى في عصرنا” ثم تستمر السلسة، سنصدر إن شاء الله مجلة لعلماء الأمة يصدرها الاتحاد باسمه، كل هذا مساهمة في التنوير ومساهمة في التعميق بدل التسطيح وفي التجميع بدل التفريق. ولكن سنظل في حاجة إلى أهل الفتوى وإلى أهل الدعوة لأن هذا أمر لا يستغني عنه المسلمون، نحن في حاجة إلى هذا محليا وفي حاجة إلى هذا عالميا في عصر العولمة التي غزتنا من كل جانب، إلى مبلغين عالميين في الإسلام يستخدمون هذه الأجهزة التي ذكرتها الفضائيات والإنترنيت وهذه الأشياء تستخدم لتبليغ الدعوة إلى العالم، فنحن مسؤولون محليا ومسؤولون عالميا عن هذا، ونسأل الله أن يعيننا على مسؤولياتنا ويعين الأمة على مسؤولياتها.

عثمان عثمان: لا يسعنا في ختام هذه الحلقة فضيلة الدكتور إلا أن نشكركم على هذه الإفاضة الطيبة. كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة. لكم تحية من معتز الخطيب معد البرنامج ومن المخرج منصور الطلافيح ومن سائر فريق العمل، وهذا عثمان عثمان يستودعكم الله، دمتم بأمان الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

Categories:   ضيف الموقع

Comments

Sorry, comments are closed for this item.