موقع الشيخ طلاي

Menu

السفر الذهبي المرحوم دافراجي -2-

أيّها السادة، أيّها الإخوة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بادئ ذي بدء، أهنّئكم بالعام الهجري الجديد 1435هـ، راجيا من المولى عزّ وعلا أن يجعله عام خير وبركة ومحبّة بين المؤمنين، ونصر مبين لكلمة الله تعالى لتكون هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، ونقول ما قاله المتنبّي:

عيد بأيّة حال عدتَ يا عيد  %  بما مضى أم لأمر فيك تجديد.

أيّا الإخوة، ستكون إطلالتنا في هذه الجلسة من نفس الكتاب الذي أخذنا منه إطلالتنا السابقة: السِّـفـر الذهـبـي عن السيّد دادَّ فْراجي، للأستاذ تِرِشينْ الحاج صالح.

أريد في هذه الإطلالة أن أذكُر لكم حديثا شيِّقا بين رجلين، كلّ واحد منهما يمتاز بميزة خاصّة، ويجمعهما حبّهما للقديم وعدم النزوع إلى التغيير والتبديل؛

بين السيّدين دادَّا افْراجي وعمّي سليمان مطياز الرصّاص المحنّك، يقول في ص83:

« سيارة عمّ سليمان.

يمتاز عمّ سليمان “مطياز” بمهارة عالية في ميدانه، فهو رصّاص خبير ومن أقدم الرصّاصين في المدينة، ألنَّ اللهُ له القنوات والأنابيب بمختلف مقاييسها وأنواعها.

طلب منه “دافْراجي” القيام ببعض التصليحات لحنفيات مسكن ريفي لأحد جيرانه في الواحة؛ حدّد الموعد يوم السبت على الساعة السادسة صباحا بالمدخل الغربي للمدينة.

على الساعة السادسة بالضبط، توقّفت سيارة عمّ سليمان أمام المدخل وصعد “دافْراجي” بجانبه.

أين الحمار يا “دافْراجي” ؟ سأله عمّ سليمان بشيء من التعجّب !

تركته يرتاح قليلا، ثم ّاشتقتُ إلى ركوب هذه التحفة، أجاب “دافْراجي” بكلّ صدق.

سيارة عمّ سليمان كانت تحفة فنيّة بأتمّ معنى الكلمة، هي من نوع Renault B14 ومن السيارات الأوائل التي تخرّجت من سلسلة التركيب بفرنسا في الثلاثينات؛ مكانها اليوم في الحقيقة داخل أحد المتحف العالميّة للسيارات.

يراها عمّ سليمان كمقلتيْه العزيزتيْن، انطلقت ببطء محدثة أصواتا متقطّعة وسحاب من الدخّان، كاد أن يحجبها عن أعين مجموعة من أطفال صغار، يستمتعون بالنظر إلى هذه اللعبة الكبيرة وللكبار حسب اعتقادهم !

سارت السيارة بوتيرة منتظمة، وعند وصولها إلى منحدر السدّ الكبير للواحة، شرع عمّ سليمان بالنفخ في أنبوب ليساعد المحرّك على الصعود.

طلبت شركة Renault من السيّد “المحافظ” سليمان أن يستبدلها مقابل سيارة فخمة عصريّة، فرفض ذلك.

موقف مشرِّف أعجب “دافْراجي”، لأنّه يجسّد “الاكتفاء الذاتي” والقناعة العالية التي يتميّز بها هذا العامل المثالي في الإتقان والانضباط، وكذا عشقه اللامتناهي لكلّ ما هو أثريّ وقديم.

يتكوّن الهيكل الأمامي للسيارة من عجلتين عاريتين، ومحرّك مغطّى بصفيحتين من حديد، ومقعدين يتّسعان لشخصين، والمؤخّرة عبارة عن حوض حديد فوق عجلتين ومصنوع بالأنابيب الرقيقة التي تستعمل في الرصاصة.

نظر عم ّسليمان إلى “دافْراجي” وهو يتأمّل في مختلف السيارات من نوع: 203، 403، Dauphine (دوفين)،Simca  (سيمْكا)، Versailles (فيرْسايْ)…فقال له بصوت عال ليغطّي صوت المحرّك:

ما رأيك يا أخي في سيارتي، مقارنة بالسيارات الفخمة التي مرّت أمامنا ؟

«كُلْ جْديدْ ليهْ لَذَّهْ والبالي لا تْفَرَّطْ فيه !» تحفتك هذه -مع بساطتها وقِدمها- تشبه تلك المرأة الأصيلة التي تزيّنت بتسريحة شعر تقليديّة و”تيمَلْحَفْتْ” (لباس محلّي قديم)، أمام اللائي لبسن “بَـــلْدي” (تسريحة شعر ولباس عصري)، فلا مجال للمقارنة بين اللباس الساتر والمميَّز بالبساطة والحياء…واللباس المستورد والذي غالبا ما يفتقد إلى السترة والحياء والإبداع!

أين الاكتفاء الذاتي والإبداع والنبوغ الذي يميّز نساءنا؟ توقّفت السيارة أمام البستان، واستعمل عمّ سليمان حجرين لتثبيت عجلتيْ المؤخّرة كمكبح، مخافة أن تنحدر لوحدها.

في السبعينات اتّخذ عمّ سليمان ضرّة من نفس العائلة من نوع Giva 4  (جيفا 4)، فأحال التحفة B14 على دار العجزة ثم ّإلى مقبرة السيارات، فالتحقت بعربة القطب، «وُما يَبْقَى فَ الوادْ غِيرْ حْجارُو».

Categories:   ندوة الإربعاء

Comments

Sorry, comments are closed for this item.