من وحي عيد الأضحى المبارك
جلسة يوم 25/11/2009م الموافق ليوم 8 ذي الحجّة 1430هـ
إخواني الأعزّاء محبّي الثقافة والمعرفة أحيّيكم وأبارك لكم هذه الأيام المباركة التي نعيشها، والنفحات الربّانية والرحمات المضاعفة من المولى عزّ وعلا، هو مولانا فنعم المولى ونعم النصير.
لِمَ لا ، ونحن نعيش الأيام المباركة الأولى من شهر الله الحرام، شهر ذي الحجّة، الأيام المعلومات والأيام المعدودات، وقد أرشدنا تبارك وتعالى إلى ذكره وتسبيحه والثناء عليه وشكره على ما أولانا وفضّلنا به، فقال تعالى: (وَاذْكُرُواْ اللهَ فيِ أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ). وقال تعالى: (وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّآلِّينَ).
وبعد، فإنّي اخترتُ لجلستنا هذه نصًّا أدَبيًّا رائعًا من الأدب الوصفي الخيالي، لمعركة ظالمة وتصرّفٍ حاقد ظالم وقع أمام حَشْدٍ من الناس على شخص ضعيف بريء، والجاني تشهد عليه جريمته ولا أحد من الحاضرين استنكر عليه ظلمه أو أنقذ المسكين الضعيف من بين يديه.
والأديب الكاتب للنصّ قال: إنّه سنّة الحياة؛ القويّ دائما يتسلّط على الضعيف.
وأنا أقول: ليس الأمر هكذا على الإطلاق؛ القويّ يتسلّط على الضعيف، نعم، ولكن قيَّد اللهُ ذلك القويّ -إن كان صالحًا- بوازع الأخلاق النبيلة والإيمان الصادق، بأنّ الله سيحاسبه على تصرّفاته، وبأنّ ما أُعطيَ لم يُعط عبثًا أو محاباة، بل ذلك هو اختبار له وامتحان وابتلاء.
إليكم إخواني النصّ من كتاب مدرسي تعليمي للأديب عليّ الطنطاوي (الصرف العربي، الصفحة: 187).
«كُنتُ أمشي لَيْلة العيد في طريقي إلى منزلِ أحد الأصدقاء بَلَغني منه استدعاء، فإذا أنا في جَمْعٍ من الناس مُحْتَشَدٍ حِيالَ دكّانٍ، فدفعني الفُضولُ إلى معرفة الخبرِ، فرأيتُ اثنينِ يَعْترِكان؛ أمّا أحدُهما فكان أعْزلَ عاجزًا، وأمّا الآخرُ فكان كالِحَ الوجْهِ قاسي القلبِ، قد حَمَلَ سكّينًا في يده، وهجمَ بها على صاحبِهِ الذي جعل يصْرُخُ ويلْتفِتُ مذْعورًا يطلُبُ الغَوْث فلا يُغيثُه أحدٌ، ويبْتغي الهَرَبَ فَيَسُدُّ عليه الناسُ طريقَ الهروبِِ. وبينما أنا أفَكِّرُ ماذا أَصْنعُ، وإذا بالخَبيثِ العاتي يَذْبَحُهُ أمامنا ويَتْرُكُه يتخبَّطُ في دمائه، ويَمْضي إلى دكّانه مُتَأَنِّيًا كَأنّه لم يرتكبْ جُرْمًا، وكِدْتُ أهْجُمُ على هذا المُجرمِ الباغي، وطمَعْتُ أن يتحرَّكَ أحَدُ الواقفينَ فما تَحَرَّكَ أَحَدٌ منهم ولا جَرُؤَ على ذلك. ولا يَحْسِبَنَّ أحدٌ أنّه فرّ أو أنّ القصّة مُتخيَّلة أو مكْذوبَةٌ، فالقاتل موجودٌ في دكّانِه، وبيِّنَةُ القتل غير خافيَةٍ، ولكنَّ الجميعَ سَكتوا حتّى أَنْسِباءَ المُعْتَدى عليه لم يَتَقدَّمْ أحد منهم بشكوى، لأنّ القاتل -كما قالوا- عازِمٌ على قتلِهِم جميعًا متى قدَرَ عليهم، وله ماضٍ حافِلٌ بأمثالِ هذه الجرائم، فما سِرُّ هذا السكوت ؟ لقد علمتُ أنّ المَجْنِيِّ عليه كان خروفًا من خِرفان العيد، وأنّ الجاني كان جزّارَ الْمَحَلَّة، وأنّ الناسَ شارَكوه في جُرْمه فأكلوا لَحْمَ الذبيحِ مَشْويًّا ومَقْليًّا ومطْهُوًّا، وأكَلْتُ معهم فأنْساني طيبُ اللحمِ هذا المشْهَدَ. وتِلك سُنّةُ الحياةِ، يموتُ المسْكينُ لِنَسْتَمتِعَ نحنُ بأكْلَةٍ طَيِّبَةٍ.».
Categories: ندوة الإربعاء
Sorry, comments are closed for this item.