الجنة تحترق – أمين الزاوي
الجلسة السابعة عشر: 30/04/2014م الموافق ليوم: 1 رجب 1435هـ
أيّها السادة الأعزّاء، أيّها الحضور، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
في هذه الأمسية المباركة أَعرض عليكم مقولة من الأدب الرومانسي أي العاطفي. والعاطفة، أيّها السادة، لها أثر كبير في حياة الإنسان الذي وهب الله له العاطفة والعقل والحكمة معًا.
ولولا العاطفة عاطفة الحبّ والحنان لَما سعى الأب لِما يسعد أبناءه وزوجته، بل لولا عاطفة الحبّ والسكن لَما حَنَّ زوج على زوجته، أو زوجة على زوجها، ولَما شقيت لأجل توفير الراحة والاطمئنان في عشّ الزوجية.
والعاطفة، أيّها السادة، لها جانبان: جانب خيري جميل يدفع بالإنسان إلى التضحية وتوفير وسائل الراحة والاطمئنان، وجانب شرّ وظلم وتَعَدٍّ على الغير؛ فلولا الحقد والاستخفاف من طرف إبليس لأبينا آدم عليه السلام لَما نسج له حبائل إخراجه من الجنّة، وإعناته ودفعه إلى دار الأتعاب والابتلاء.
ولولا عاطفة الحسد والحقد في مجاورينا لَما سلّط على غرداية الآمنة أنواعا من المكر والإهانة والجبروت.
أعود للمقال الذي قلتُ لكم عنه إنّه من نوع الأدب الرومانسي العاطفي.
المقال صدر في جريدة الحريّة (ليبيرتي) بالفرنسية، وقد عرّبته الآنسة المجاهدة الدكتورة فافَّه الشيخ صالح. والمقال للأمين الزاوي الكاتب والروائي؛ يقول في مقاله:
الجنّة تحترق !
غرداية مدينة الانضباط والعمل والفن مجروحة! الماء في امزاب محتار وهو يشق حزينا طريقه عبر الجداول السحرية ، لقد فقد لونه الذي لا لون له! غرداية دمعة حارة أم سلاح جبان؟!
الجنة تُحرق. غرداية ليست مجرد بطاقة بريدية أو “شاشية” أو سروال تقليدي. غرداية بستان، هي قربة ماء مُنعش مهداة لعابر الصحراء باتجاه الصحاري. هي ضيافة وهندسة معمارية، وهي عين “اليونسكو” المنبهرة، غرداية هي مدينة الله الجميل! هي مُعلّقة شعر وهي سهل السلام و ملاذ العباقرة.
إنها تحترق! إنهم يحرقون الجنة يا إلهي! رجاء لا تقتلوا غرداية فقتل المدن ليس شيئا آخر غير قتل الشعراء. لا توجد ثورة من دون شاعر، و لأنه لا توجد ثورة من دون شاعر فقد أنجبت هذه المدينة الجنيّة شاعر الثورة الجزائرية المجيدة، ابن القرن “مفدي زكرياء” (1908-1977) الابن المدلل ومُنشد “آت يسجن!”. عندما أهدت المدينة للثورة المجيدة النشيد وحبال صوتها كان هذا إيذانا بميلاد فجر الحرية. ابن “بني يزقن” العبقري كتب “قسما” النشيد الوطني.
لو سمحتم لا تقتلوا غرداية ولا تحرقوا الجنة! حتى وإن كانوا ومنذ زمن ليس ببعيد قد أقدموا على إبعاد مؤلف النشيد الوطني من وطنه الجزائر فإن مفدي زكريا كان محكوما عليه أن يعيش في الذاكرة الجماعية للجزائريين. الأبناء يعودون دائما للأرض المباركة؛ توفي في تونس ودفن في “امزاب” مسقط رأسه. تضمحل الأنظمة السياسية الواحدة تلو الأخرى ويبقى الشعراء ما بقي الدهر.
من بعيد ومن خارج هذا العالم يتحدث إلينا “مفدي زكرياء” في كل مناسبة وطنية تقام لإحياء عيد الثورة أو عيد الاستقلال وفي كل مناسبة نتذكر فيها معركة أو شهيدا أو مجاهدا، “مفدي زكرياء” ابن “امزاب” حاضر ودائم الحضور بيننا و نحن نُنشد “قسما”.
استيقِظ يا مفدي إنهم يحرقون الجنة، ويمسحون الطريق التي تركت عليها آثار أقدامك وأنت طفل صغير! وأنا حزين.
هم يحرقون الجنة وأنا أفكر في شاعر آخر من شعراء “امزاب”؛ “رمضان حمود” ((1906-1929 وفي ديوانه “بذور الحياة”. غرداية دمعة حارة أم سلاح جبان؟!
هم يحرقون غرداية وأنا أفكر في شاعر آخر؛ “صالح خرفي” ( 1932-1998م) ابن من أبناء “القرارة” إحدى مدن “امزاب”. أتذكر و أصرخُ عاليا لا تحرقوا الجنة!
هم يحرقون الجنة وأنا أفكر في العلاّمة الشيخ “امحمد اطفيش” (؟ -1914م)، صوت ثار ضد الفساد الفكري والديني والمادي.
هم يحرقون الجنة و أنا أفكر في الشيخ “إبراهيم بيوض” (1899-1981م).
الجنة تُحرق وأنا أفكر في “سيد القلم” الخطاط “محمد اشريفي” ذلك الذي خطّ كتاب الله بأسلوب فريد! وأفكر كذلك في الكاتب والناقد الجامعي الدكتور “محمد ناصر”!
غرداية دمعة حارة أم سلاح جبان؟! وأفكر أيضا في صديقي “عبد الرحمان حاج ناصر”، أبناء عمومة هو و”مفدي”، أفكر فيه وأعيد قراءة كتابه ” المقامرة الجزائرية” خليط من السيرة الذاتية والتحليل الاقتصادي الرائع.
غرداية دمعة حارة أم سلاح جبان؟! وأفكر في الكاتب المسرحي “سليمان بن عيسى” صاحب “البابور غْرقْ”. صديقي العزيز سليمان لقد غرقت الباخرة!
هم يحرقون الجنة، وأنا أفكر فيكم أصدقائي الشيوخ والكتّاب والشعراء والفنانين وأنا حزين جدا.
الكاتب والروائي الجزائري: أمين الزاوي.
Categories: ندوة الإربعاء
Sorry, comments are closed for this item.