نعي الشيخ الناصر مرموري
جلسة يوم 25/05/2011م الموافق ليوم 22 جمادى الثانية 1432هـ
إخواني الحضور، السادة الأساتذة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حديثي في هذه الأمسية المباركة سيكون عن رسالة أخوية وُجّهت إليّ من طرف دكتور من الدكاترة الذين لهم نظرة عميقة لأوضاعنا التي نعيشها من الناحية الثقافية والاجتماعية معًا، قلّ أن نجد من أبنائنا الدكاترة مَن له هذا الإحساس المرهف، والنظرة البعيدة والعميقة للظروف التي تنتاب أبناء الأمّة الإسلامية العربية عامّة، وأبناء الجزائر المسلمة المجاهدة بالخصوص، وبالأخصّ أبناء المجتمع المزابي الإباضي، كان لهم عونا ونصيرا.
والرسالة بعثها إليّ تعزية وتحسيسا وتجسيدا للأخلاق الإسلامية والسلوك الرشيد، الذي خصّ الله به الشيخ الفاضل المرحوم ناصر المرموري رحمه الله وطيّب ثراه.
والرسالة من طرف الدكتور باباعمّي محمّد بن موسى دعوة إلى وجوب الاقتداء بخُلُقه وسيرته وأفكاره المعتدلة بين الإفراط والتفريط في سبيل الدعوة إلى الله.
وإليكم إخواني جزء من هذه الرسالة التحسيسية، جزاه الله خيرا.
موت العالِم، وشجرة التوت
لا أعرف لماذا قفز إلى ذهني هذا العنوان، مباشرةً بعد سماعي نبأ وفاة “حمامة العلم” الشيخ ناصر المرموري رحمه الله !
ألأنّ التوت نباتٌ شجره كبير وفروعه كثيرة، والشيخ الناصر كذلك: كبير بخلُقه، كبير بتواضعه، كبير بعلمه، كبير بحِلمه…له فروع في كلّ بيت، وفي كلّ مدرسة، وفي كلّ متجر…خيرُه عمَّ مَن حوله، لم يحرمه يوما عن أحد مهما قرب أو بعد، مهما أنصف أو أجحف؟!
أم لأنّ شجرة التوت ثمارها حلوة طرية طازجة، والشيخ ناصر كذلك: لا يملُّ الجالسُ إليه، ولا يُسمع في حديثه إلاّ الأدب الجمُّ والحكمة الرفيعة، فقهه يسرٌ وتيسير على المستجير، ورأيه رحمة وبركة على المستنير ؟!
أم لأنّ شجرة التوت قديمة قدم البشرية، والشيخ ناصر كذلك: يصدق فيه ما ورد في رسالة أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله لأبي موسى الأشعري، التي جاء فيها: «إنّ الحقّ قديم لا يبطله شيء، ومراجعة الحقِّ خير من التمادي في الباطل»؛ فشيخنا رحمه الله يدور مع الحقِّ والعلم وجُودًا وعدمًا؛ لا يبالي في ذلك أرضيَ الناس أم سخطوا، ما دام الحكيم العليم القديم قد رضي وقبل؟!
ألأنّ ثمرة التوت مفيدة جدّا لحالات فقر الدم، والشيخ ناصر كذلك: نافع لأمَّته في أحلك ظروفها، وترياقٌ لها حين فقرها إلى من تسترشد به، ومَن يأخذ بيدها إلى برِّ الأمان؛ فشيخنا عِرق الأمَّة النابض بدم الحياة، يزرع فيها الأمل، ويحطّم الألم، وهو في ذلك لا ينتظر من الخلق جزاء ولا شكورا ؟!
أم لأنّ ثمرة التوت شفاء لأورام الحلق واللثّة، والشيخ ناصر كذلك: فصاحة وحكمة، وهو العلاج لكلّ عيٍّ، والدواء لكلّ سخافة؛ وهو شجرة الحكمة والبلاغة؛ فقهُه أدب سلس، وابتسامته أفق لا نهاية له؛ وروحه ظلّ ظليل للخلق جميعهم: كبيرهم وصغيرهم، عالِمهم وجاهلهم؛ فهو لا يفرّق بين عبد وعبد، إلاّ بما رفع الله به بعضهم على بعض؟!
أم لأنّ ثمرة التوت لها تأثير كبير في خفض درجة الحرارة؛ والشيخ ناصر كذلك: هو صمّام الأمان، وهو الملاذ، وهو “ترتموميتر” المجتمع؛ يحفظ درجة حرارته فلا ترتفع بفعل التهوّر والنزق والتعصُّب، وكلِّ ما من شأنه أن يزرع الفتنة، ويبسط الحقد، ويوغر القلوب بعضها على بعض؟!
…
ولو أوجزنا القول لقلنا: «إنّ الشيخ ناصر هو شجرة التوت، وإنّ شجرة التوت هي رمز الشيخ». فلَكَم كان محبًّا للطبيعة، منافحا عن الجمال، مصاحبا لأرباب المزارع والبساتين؛ له من الخصائص ما لشجرة التوت وأكثر، فحقّ لنا اليوم أن ننعاه، بدموع رقراقة وقلوب ضارعة، ونلقي في روع مَن بقي بعده من العلماء والفقهاء أن «اثبتوا على الحقّ، ودوموا على العهد، كان الله معكم».
ويطيب لي -مراعاة للمناسبة- أن أخصّ بالذكر مَن يشتغل اليوم بالعقيدة والفقه والتدبير في وادي ميزاب: الشيخ أبو القاسم، الشيخ طلاّي، الشيخ كعباش، الشيخ أوبَكَّه، والدكتور ناصر…وغيرهم من المشايخ الأجلاّء كثير؛ وأؤكّد الخطاب والنداء للشباب الذين هم اليوم في الواجهة، وقد تعيّن الواجب عليهم، الإخوة الدكاترة والباحثون: بوحجّام، بحّاز، باجو، وينتن، ارفيس، الشيخ بالحاج، ارشوم، حمدي، شريفي، بابكر، قشار، كرّوم، كومني…وغيرهم كثير؛ أقول للجميع:
لتكن وفاة الشيخ حدًّا فاصلا في حياة الأمّة الميزابية، ثمّ الجزائرية، ثمّ الإسلامية جمعاء، ولتكن مناسبة لإحياء مجلس عمّي سعيد، علميًّا وفقهيا، ومدخلا لنهضة شاملة كاملة، ولتكن فرصة لضمد الجراح، ونبذ الخلاف، ومحاربة التعصّب بكلّ أشكاله وأنواعه.
شيخي وأخي، أهمس في أذنك، وأقول:
تعيّن الواجب، ولا سبيل إلى أدائه وإبراء الذمّة إلاّ في مجامع للفقه والفكر -بالمعنى الواسع- تجيب عن أسئلة الشارع بالتحقيق في أبعاد الشارع، وترفع الحرج عن الناس وقد كثر الهرج والمرج…
بل، لتكن مناسبة وفاة الشيخ دعوةً للتسامح والمحبّة، ونشر الأمل، والجدّ في العمل، والتخطيط للمستقبل…وصدق الله العظيم القائل: }يَرْفَعِ اللَّهُ الذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ وَالذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ{.
ثمّ صدق الرسول الكريم القائل: «موتُ العالِم ثُلْمَةٌ لا تُسدّ مَا اختلف الليل والنهار».
اللهمّ ارفع أمّتنا بالعلم والحلم، وبالقرآن والإيمان؛ وابعث فينا مَن يسدّ ثُلْمة موت علمائنا مشرقًا ومغربا؛ آمين يا ربّ العالمين.
د.محمّد باباعمّي
بعيد نعي الشيخ ناصر المرموري رحمه الله بساعات
الأحد، 12 جمادى الآخرة 1432هـ / 15 مايو 2011م
Categories: ندوة الإربعاء
Sorry, comments are closed for this item.