هل نحتفل ولماذا لا نحتفل؟ نعم نحتفل
جلسة يوم 17/02/2010م الموافق ليوم 3 ربيع الأوّل 1431هـ
أيّها الأساتذة الكرام، أيّها السادة الحضور، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
لقد فكّرتُ بمناسبة أن هَلَّ هلال المولد النبوي الشريف أن أتحفكم بموضوع يتعلّق بسيرة رسول الله أو تاريخه المجيد، أو الاحتفال بمولده بما قيل أو يُقال احتفالا وتكريما لرسول الله والصلاة عليه، ولِمَ لا وقد قال الله تعالى في حقّه عليه السلام: )إِنَّ اللَّهَ وَمَلآَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيءِ يَآ أَيـُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا(. (الأحزاب، الآية: 56)
وأذكّركم أنّنا في السنة الماضية قد استعرضنا في جلساتنا هذه بردتين بل ثلاث بردات بمناسبة المولد: بردة البوصيري وبردة عمّنا الحاج إبراهيم بن بيحْمانْ وبردة الشيخ أطفيش، وتعرّفنا كذلك على قصيدة كعب بن زهير التي أنشدها أمام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأهدى إليه بردته حسبما قيل.
بينما خاطري يجول في الموضوع تذكّرتُ كتابا أُهدي إليّ في الموضوع سنة 2006 عندما كنتُ في السعودية مع المشايخ الثلاثة الشيخ عبد الحميد ناظر أوقاف الإباضية والشيخ الناصر المرموري والشيخ داود بانوح، ومرّت علينا ليلة مولد رسول الله ونحن في جدّة.
وقد أسعفنا الحظّ أن دُعينا إلى حضور حفل بالمولد في منزل خاصّ من منازلنا، وأهدى إليّ صاحب الحفل كتابا في الموضوع بعنوان: هل نحتفل ولماذا لا نحتفل ؟ ! نعم نحتفل، لصاحبه: واصف أحمد فاضل كابُلي، يورد فيه المؤلّف آراء الأئمّة الإسلامية في استحسان الاحتفال بمولده الشريف، كما يردّ على آراء بعض الأئمّة في كراهية الاحتفال به، وأنّ الاحتفال به من البدع المنهيّ عنها، لأنّ الرسول عليه السلام والصحابة لم يفعلوه.
ولا يغيب عن أذهانكم أنّ السعودية كانت تمنع أيّ حركة أو احتفال في ليلة المولد من إنشادٍ أو تجمّع أو غيره، وإلى الآن لا تشجّع ذلك، وتركت الخواصّ إن شاءوا ذلك أن يحتفلوا به في ديارهم، فدُعينا إلى دار من هذه الدور جزاهم الله خيرا، فكان حفلا بهيجًا لا بدعة ولا منكر.
أقرأُ عليكم شيئا من هذا الكتاب المهدى إليّ والمؤلَّف في الردّ على من يرى ذلك بدعة وينهى عنه، أو يتضايق به. (تابع الصفحات: 47، 48، 49)
«…وإليك أخي المسلم الرأي الحقيقي للحافظ ابن كثير في عمل المولد ونشأته، والذي أخفاه من يدّعي مناقشة الموضوع بعدلٍ وإنصاف.
قال الحافظ ابن كثير في “البداية والنهاية” [13/136]، طبعة مكتبة المعارف ما نصّه: «الملك المظفّر أبو سعيد كوكبري، أحد الأجواد والسادات الكبراء والملوك الأمجاد، له آثار حسنة (انظر إلى قوله آثار حسنة)، وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأوّل ويحتفل به احتفالا هائلاً؛ وكان مع ذلك شهمًا شجاعًا فاتكًا [أي بالأعداء]، عاقلا عالما عادلاً، رحمه الله وأحسن مثواه…» إلى أن قال: «وكان يصرف في المولد ثلاثة آلاف دينار». اهـ.
فانظر رحمك الله إلى هذا المدح والثناء عليه من ابن كثير إذ أنّه وصفه بأنّه عالمٌ، عادلٌ، شهم، شجاع، إلى قوله: رحمه الله وأحسن مثواه، ولم يقل زنديق، فاجر، فاسق، مرتكب للفواحش والموبقات كما هي دعوى المعارض فيمن يقول بعمل المولد الشريف !! وأحيلُ القارئ إلى نفس المرجع فهناك كلام أعظم ممّا ذكرتُ في حقّ الإمام الجليل لم أنقله خوف الإطالة.
وانظر إلى قول الإمام الحافظ الذهبي في “سيَر أعلام النبلاء” [22/336] عند ترجمة الملك المظفّر ما نصّه: «كان متواضعًا خيِّرا، سُنّيا، يحبّ الفقهاء والمحدّثين».».
وينقل صاحب الكتاب أقوال بعض أئمّة العلم في الاحتفال بالمولد، نكتفي -في هذه العجالة- بما أورده عن الإمام جلال الدين السيوطي:
« (1) الإمام الحجّة الحافظ السيوطي: عقد الإمام الحافظ السيوطي في كتابه “الحاوي للفتاوي” بابًا أسماه: “حسن المقصد في عمل المولد”، ص189، قال في أوّله: وقع السؤال عن (عمل المولد النبوي في شهر ربيع الأوّل)، ما حكمه من حيث الشرع؟ وهل هو محمود أم مذموم؟ وهل يُثاب فاعله أم لا؟
والجواب عندي: أنّ أصل عمل المولد -الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسّر من القرآن، ورواية الأخبار الواردة في بداية أمر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وما وقع في مولده من الآيات، ثمّ يمدّ لهم سِماط يأكلونه، وينصرفون من غير زيادة على ذلك- هو من البدع الحسنة التي يُثاب صاحبها، لِما فيها من تعظيم قدر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وإظهار الفرح بمولده الشريف.».
وما جرى به العمل في مدن ميزاب، وما تقوم به هيئة العزّابة في كلّ مدينة من الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بمختلف الوسائل النظيفة، من غروب الشمس إلى الفجر خير دليل على مشروعية ذلك وسنيته، وما رآه المسلمون حسنا فهو حسن.
Categories: ندوة الإربعاء
Sorry, comments are closed for this item.