ما قل ودل – الأستاذ الشيخ محمد الصالح الصديق
الجلسة السادسة عشر: 23/04/2014م الموافق ليوم: 23 جمادى الأخيرة 1435هـ
أيّها السادة، أيّها الأحبّة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
إطلالتنا هذه الأمسية ستكون من عمود في جريدة البصائر بعنوان “ما قلّ ودلّ”، وهو خاصّ بالأستاذ الأديب الشيخ محمّد الصالح الصدّيق.
موضوع المقال مُفادُه: إنّ طالب العلم أعني علم الشريعة مطلوب منه أن يجمع بين تقوى الله والاجتهاد في طلب العلم، لا أن يقتصر على التقوى كما يقول بعض المتصوّفة: إنّ سلوك الطريقة والمداومة على الأوراد والرياضة وتلاوة الأحزاب يثمر لهم العلم، ويجعلهم ملهَمين يدركون الحقّ والباطل بدون الدرس والتحصيل.
وقد فنَّدَ هذا الادّعاء والزعم صاحب عقيدة العزّابة رحمه الله في قوله: «ليس منّا (أي معشر الإباضية) مَن قال إنّ علم الشريعة يُدرك بغير التعلُّم له».
فالمعروف كما يقول صاحب المقال أنّ العلم هو الذي يثمر التقوى، فلا تقوى بدون علم؛ وإليكم المقال:
«سألني طالب جامعي نجيب عن قوله تعالى: }وَاتَّقُواْ اللهَ وَيُعَلِّمُكُم اللهَ{ (سورة البقرة: 282). وسألني بالخصوص عمّا عسى أن يكون في هذا المقطع من لطائف وأسرار.
فقلت له: أمّا معنى المقطع فواضح بيِّن، أي واتّقوا الله فيما حذّر منه من نواهي، وما أمر به من أوامر، فإذا فعلتم علّمكم ما يكون إرشادا لكم، وما فيه قيام مصالحكم وحفظ أموالكم وتقوية رابطتكم.
ثمّ سألني الطالب: لِمَ تكرّر لفظ الجلالة ثلاث مرّات }وَاتَّقُواْ اللهَ وَيُعَلِّمُكُم اللهَ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{ ؟
فأجبته بما أجاب به علماء التفسير: كُرِّر لكمال التذكير وقوّة التأثير. وقال الإمام البيضاوي” كرّر لفظ الله في الجمل لاستقلالها؛ فإنّ الأولى حثّ على التقوى، والثانية وَعْدٌ بإنعامه، والثالثة تعظيم لشأنه.
وطالب العلم مطلوب منه أن يجمع بين التقوى والاجتهاد، لا أن يقتصر على التقوى كما يدّعي الجاهلون من أدعياء التصوّف الذين يقولون إنّ سلوك طريقة أهل التصوّف وممارسة رياضتهم، والمداومة على أورادهم وأحزابهم يثمر لهم العلم، ويجعلهم علماء في مستوى أهل العلم الذين قضوا أعمارهم في الدرس والتحصيل، إن لم يكونوا في مستوى أعلى من مستواهم.
وهذا الزعم الباطل له خطورته، لأنّه فتح للجاهلين الذين يلبسون لباس الصلاح ويدّعون العلم بالله وفَهْمِ القرآن والسُّــنَّة، ويحشرون أنفسهم بين أهل الفتيا، فيفتون عن جهل وعماية، فيقع الناس بسبب ذلك في ضلال مبين.
والإمام محمّد عبده يبطل هذا الادّعاء وهذا الفهم السقيم بدليلين اثنين؛ أحدهما يُستفاد من قاعدة عربية، وهي أنّ }وَيُعَلِّمُكُم اللهَ{ لو كان مجزوما لكان مفيدا لِما قالوه، وكذلك لو كان العطف بالفاء أو اتّصل بالفعل لام التعليل.
وثاني الدليلين، أنّ قولهم هذا عبارة عن جعل المسبّب سببا، والفرع أصلا، والنتيجة مقدّمة؛ فإنّ المعروف المعقول أنّ العلم هو الذي يثمر التقوى، فلا تقوى بلا علم، فالعلم هو الأصل الأوّل وعليه المعوّل.
والذي ينبغي التسليم به هو أنّ من اتّقى ربّه ووقف عند أوامره ونواهيه، فإنّه يعلّمه ويجعل في قلبه نورا يفهم به ما يلقى إليه من العلوم والمعارف.
وهذا أيضا ما يفيده قوله تعالى في سورة الأنفال: }يَآ أَيـُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا{ أي فيصلاً يفصل بين الحقّ والباطل.
وقال أحد المتعطّشين إلى تعلّم العلم وقد ساء حفظُه:
شكوتُ إلى وكيعٍ سوءَ حفظي فأرشدني إلى ترك الـمعاصي
وأخبرنـي بأنّ الـعـلم نورٌ ونـور الله لا يُهدى لعاصي
Categories: ندوة الإربعاء
Sorry, comments are closed for this item.