عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد
جلسة يوم 27/10/2010م الموافق ليوم 19 ذي القعدة 1431هـ
أيّها السادة الحضور السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
من باب الإنصاف، ومن التقدير لجهود رجالات هذه الدولة (أي الدولة الأموية) في شتّى الميادين، وخاصّة ميدان الحضارة وإرساء دعائم الحكم وسياسة التسيير؛
من الإنصاف ألاّ نقتصر على الجانب القاتم والبغيض في إقامة ملكهم وبسط سلطتهم وجبروتهم على الناس، فلهذه الدولة جوانب هامّة مشرقة في تاريخ الأمّة الإسلامية عامّة، وخاصّة جانب الفتوحات الإسلامية ونشر رسالة الإسلام لدى أمم الكفر وأعداء الإسلام، فلهم رجالات وملوك هم في قمّة حسن التسيير ونشر الحضارة، والعمل على بعث القيَم الإنسانية.
أخصّ بالذكر عبد الملك بن مروان وأخوه الوليد بن عبد الملك، وهشام والقائد العظيم مسلمة بن عبد الملك، والقريب إلينا معشر الإباضية، والسائر على نهج أسلافنا عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، ويُقال بحقّ إنّه خامس الخلفاء الراشدين، أمّه ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه.
وُلد عام 62هـ/ 682م بحلوان في مصر، تربّى في بيئة اشتُهرت بالكرم والتقوى، حفظ القرآن وهو صغير.
ولمّا أراد والده أن يخرجه معه إلى دار الحكم دمشق طلب منه أن يرسله إلى المدينة المنوّرة، ليتردّد على فقهائها ويتأدّب بآدابهم، فحقّق أبوه رغبته، فشبّ متفقّها في الدين، راويا للحديث، وكان حجّة عند العلماء. لقد قال في حقّه الإمام أحمد بن حنبل: «لا أدري قول أحد التابعين حجّة إلاّ قول عمر بن عبد العزيز».
أنقل لكم مقتطفات -حسب العادة- من كتاب صدر في طبعته السادسة في سنة 2008 من دار النفائس بلبنان، للدكتور محمّد سهيل طقّوش، بعنوان: تاريخ الدولة الأموية.
قال في صفحة 37:
«كانت الخلافة نقطة تحوّل في حياة عمر بن عبد العزيز من ناحية، وذات أثر كبير في تاريخ دولة الخلافة الأموية بشكل خاصّ والتاريخ الإسلامي بشكل عامّ من ناحية أخرى.».
وقال في صحيفة 138:
«أمّا أثره خلافته في تاريخ دولة الخلافة الأموية، فإنّ نهج عمر في الحكم يُعتبر خروجا على النهج الذي اختطّه معاوية بن أبي سفيان، وسار عليه من جاء بعده من الخلفاء الأمويين، وهو إلى النهج الراشدي أقرب، ومغيِّرا بعض المفاهيم الأموية التي اعتبرها شاذّة، مقوِّما بذلك ما عُرف عن هذا النظام من خروج على التقاليد الإسلامية.
أمّا أثر خلافته في التاريخ الإسلامي، فإنّ عمر قدّم الدليل الواضح على أنّه إذا صحّت عزيمة الحاكم المسلم واستشعر بالمسؤولية عن الأمّة أمام الله تعالى، أضحى بإمكانه أن يقوِّم الأوضاع المعوجَّة، وأن يردّ المنحرفين إلى سواء السبيل.
كان عمر بن عبد العزيز بعيدًا عن كبرياء الملوك، زاهدا في الملك غير طامع فيه، ولعلّ الخلافة سعت إليه دون أن يسعى للوصول إليها…
أعاد عمر إلى الناس سيرة الخلفاء الراشدين، فلمّا وُلِّيَ الخلافة خطبهم فقال: «أيّها الناس، إنّه لا كتاب بعد القرآن، ولا نبيّ بعد محمّد عليه السلام، وإنّي لست بقاضٍ ولكنّي منفّذ، وإنّي لستُ بمبتدع ولكنّي متّبع، إنّ الرجل الهارب من الإمام الظالم ليس بظالم إلاّ أنّ الظالم هو العاصي، ألا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق عزّ وجلّ». وفي رواية أنّه قال: «إنّي لستُ بخير من أحد منكم ولكنّني أَثقلكم حملا، ألا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ألا هل أسمعْتُ؟».
وفي خطبة له في مستهلّ عهده أنّه قال: «مَن صحبنا فليصحبنا بخمس وإلاّ فلا يقربنا: يرفع إلينا حاجة مَن لا يستطيع رفعها، ويعيننا على الخير بجهده، ويدلّنا على الخير على ما نهتدي إليه، ولا يغتابنّ أحدًا، ولا يعترض فيما لا يعنيه»، فالتفّ حوله الفقهاء والزهّاد، وتجنّبه الشعراء والخطباء.».
Categories: ندوة الإربعاء
Sorry, comments are closed for this item.