شرح عقيدة العزابة
جلسة يوم 16/12/2009م الموافق ليوم 29 ذي الحجّة 1430هـ
إخواني السادة الأساتذة السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
في هذه الأمسية المباركة الأمسية والليلة الأخيرة من ذي الحجّة شهر الله، جعلنا الله ممّن مسّتهم موجبات رحمته وعزائم مغفرته، وممّن مرّ عليهم هذا الشهر المبارك فاستفادوا فيه لدنياهم وآخرتهم.
قلتُ في هذه الأمسية ستكون إطلالتنا على كتيّب صغير الحجم كبير الفائدة من كتب المشايخ الأوائل رحمهم الله تعالى.
تناوله عدّة مشايخ بالشرح والتعليق، وآخرهم وأوسعهم تعليقا وشرحًا الشيخ الجليل قطب الأئمّة الشيخ الحاج امحمّد بن يوسف اطفيش رحمه الله، حقّقه أخيرا الدكتور مصطفى وينَتَنْ واعتنى بطبعه ونشره.
هذا الكتيّب هو المعروف عندنا معشر إباضية المغرب بـ “عقيدة العزّابة” نسبة إلى العزّابة، لأنّ حفظه ودراسته كان مفروضا على الطلبة عامّة وعلى العزّابة بالخصوص؛
ذلك لأنّه احتوى على ما يجب على المكلّف معرفته من مسائل العقيدة والواجبات الشرعية.
والملاحظ أنّه من أوائل مؤلّفات الإباضية، وكان أصله مكتوبا بالبربرية، اللغة الأصلية لأهل شمال إفريقيا. وكان الدافع إلى التأليف بالبربرية -حسبما قيل- حداثة أهل هذه البلاد بالإسلام وباللغة العربية، وتيسير فهم الإسلام عليهم والحرص على تعليمهم الضروري من الدين، إلاّ أنّ أصله البربري ما زال في عداد المفقودات من مؤلّفات المغاربة، وقد نقله إلى العربية الشيخ أبو حفص عمرو بن جُميع أحد مشايخ النصف الثاني من القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي، وهو تلميذ صاحب الطبقات الدريجني، كان كبير المدرّسين بجامع تَفَرُّوجينْ بجربة حسبما يذكر الدكتور فرحات الجعبيري.
هذا عن أصل النصّ، أمّا مضمونه فيقول عنه الدكتور وينْتَنْ نقلا عن الشماخي في بداية شرحه عليه «بأنّه وُضع للمبتدئ أساسا، ولكن يفيد أيضا المنتهي، ويُشعر النصّ بذلك، فهو بمثابة ملخّص للثقافة الدينية التي ينبغي للمسلم أن يعلمها، وبل للإباضي خاصّة لما تضمّنته من ردود، وتحديد للمواقف في بعض المسائل العقدية، فقد جاء بأسلوب مباشر خال من التعقيد الكلامي أو اللغوي، كما اعتراه بعض التكرار.
وهو في الجملة يبيّن كيف يكون الإنسان مؤمنا قولا وعملا، موضّحا أجزاء الإيمان وعقائده، والأخلاق المرتبطة بالإيمان، ويعرّف ما يقابل الإيمان وما يضادّه من الكفر والشرك والنفاق، وأسسها وقواعدها، ثمّ يبيّن الطاعات الواجبة على المسلم، ومصادر التشريع، وأصناف الناس تجاه الاستجابة للدعوة، ثمّ ينتقل إلى موجبات الوَلاية والبراءة والوقوف، وما يجب علمه وفعله وما يجب علمه وتركه، ومظاهر الحكم والإمامة المختلفة حسب أوضاع المسلمين، كما اصطلح عليها الإباضية بمسالك الدين، ثمّ يعود إلى الواجبات وأنواع الصلوات الواجبة والمسنونة، ومرّة أخرى يرجع إلى تفصيل من تجب وَلايتهم ومن تجب البراءة منهم، وبيان المِلل الستّ، ثمّ الإيمان بالكتب والرسل، بعد هذا يعود إلى الإيمان والكفر والشرك وأقسامها، ثمّ الإيمان بالملائكة، فمعلومات متفرّقة عن الأنبياء وأحكام الأيام (المعدودات، المعلومات…)، وأنواع الذنوب، وبيان المواقف في بعض القضايا العقدية التي كثر حولها الخلاف، وفي الأخير خلاصة فيما يجب على المؤمن اعتقاده…
وقد تناوله بالشرح علماء ، هم:
– الشيخ أحمد بن سعيد الشماخي، وكان شرحه وسطا بين الاختصار والطول.
– الشيخ أبو سليمان داود التلاتي، وهو شرح اقتصر فيه كما صرّح في مقدّمته على بيان المعنى اللغوي، والاستشهاد بالآثار دون تفصيل في ذلك.
– الشيخ عمرو بن رمضان التلاتي، الذي شرحه عدّه مرّات منها الموجود والمفقود؛ منها: “اللؤلؤة المضيئة على متن العقيدة”، و”العقد النضيد على نكتة التوحيد”، و”نتيجة الأفكار في تعليق عقيدة الأبرار”، و”عمدة المريد لنكتة التوحيد”، وله تعليق على شرح التلاتي سمّاه: “نظم التحقيق في عقود التعليق”.
– شرح الشيخ إبراهيم بن الحاج موسى بن بَلْحاج محفوظ.
– كما نظم الشيخُ محمّد بن سليمان بن صالح بن ادريسو المتن في 198 بيتا،
– ولكن أطول هذه الأعمال وأوسعها شرح الشيخ امحمّد بن يوسف اطفيش…».
(مقدّمة كتاب “شرح عقيدة التوحيد“، تأليف الشيخ العلاّمة قطب الأئمّة الحاج امحمّد بن يوسف اطفيش، تحقيق الأستاذ: مصطفى بن الناصر وينْتَنْ، نشر جمعية التراث، غرداية، 2003، ص11-14).
Categories: ندوة الإربعاء
Sorry, comments are closed for this item.