رسالة للشيخ أبو سليمان داود بن إبراهيم التلاتي – الأستاذ يحي بوراس
لسة يوم 11/11/2009م الموافق ليوم 24 ذو القعدة 1430هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعاملين وعلى آله وصحابته الكرام ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أيّها السادة الحضور السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. في هذه الجلسة الأخوية نرجو من الله بركتها، أذكُرُ لكم أنّ الأستاذ الفاضل المساعد لنا في هذه الحركة الثقافية قدّم إليّ وثيقة بل رسالة تاريخية من أحد علماء جربة العاملين الشيخ الشهيد أبو سليمان داود بن إبراهيم التلاتي رحمه الله إلى مشايخ وادي مزاب، يحثّهم فيها على الاتّحاد ونبذ الشقاق والاختلاف، وذلك في القرن 10هـ/ 16م.
والحقّ أنّها رسالة هامّة تستحقّ الدراسة وإمعان النظر، فرأيتُ أن أتحفكم وأطلعكم عليها، وطلبتُ من الأستاذ بوراس أن يتولّى ذلك بدلاً منّي إذ هي في حقل اختصاصه واهتمامه، فهو أولى منّي فليتقدّم مشكورًا.
أيّها السادة الأساتذة المهتمّين بالتاريخ والأدب، سلام الله عليكم ورحمته تعالى وبركاته.
موضوع إطلالة هذه الجلسة قراءة في ثنايا وثيقة تاريخية هامّة، تلقي بعض الأضواء على العلاقات التي سادت بين جزيرة جربة ومنطقة مزاب. وتتمثّل في رسالة كتبها شيخُ جربة العلاّمة الشيخ أبو سليمان داود بن إبراهيم التلاتي قبل مقتله رحمه الله في سنة 967هـ/ 1560م([1])، وبعثها إلى علماء وعزّابة بني مزاب.
وقد تناولت الرسالة موضوعين أساسين:
أوّلا: الإخبار بما حلّ بجزيرة جربة من العدوان، قائلا عن ذلك ما يلي: «فإن سألتم عنّا فنحن بخير من الله وعافية، إلاّ أنّا قد نزلت علينا الداهية الدهياء والمصيبة العظماء ممّن لا يفهم المقال، ولا يراعي الحال، وليس معه منال، لا بُليتم بلوعتها ولا عُنيتم بحرقتها، إنّا لله وإنّا إليه راجعون».
فالشيخ لم يفصح عن العدوّ ولم يذكر واقعة بعينها، ولكن عقّب على الخبر بقوله: «على أنّ الستر بحول الله باقٍ على الجزيرة، إذْ لم تُقتل كبارها ولم تُسب صغارها ولم يُنهب عقارها».
ثانيا: تحريض من الكاتب الشيخ داود التلاتي وحثّه لعلماء وعزّابة بني مصعب على توحيد كلمتهم، واجتناب أسباب التنافر والاختلاف الذي هو سببٌ لآفات الدنيا والآخر، وكأنّ الشيخ بلغه عنهم تفرّق الكلمة واختلاف الرأي، وفي ذلك الشأن يقول: «وأنتم الله الله، إخوانُكم يوصونكم أن تجتمـ[ـعوا] وتتّحدوا وتنزعوا من بينكم التنافر، وتتركوا التدابر…».
ويمعن رحمه الله في التحريض بقوله: «سألناكم بالله ورسوله وكتابه أن تفعلوا…».
وممّا أفادته هذه الرسالة التاريخية أسماء بعض شيوخ وعزّابة بني مصعب الذين خصّهم الشيخُ بذكْر أسمائهم، وهم:
– أبو مهدي عيسى: هو الشيخ عيسى بن إسماعيل المصعبي المليكي، من علماء وادي مزاب بعد شيخه سعيد بن عليّ الجربي، وكانت وفاته رحمه الله في ذي القعدة 971هـ/ 1564م.
– الحاج محمّد: ذُكر الاسم محمّدا مرّتين، وفي كلتيهما مسبوقا بكلمة الحاج. ويبدو أنّ المقصود بهما شيخان: أحدهما من بني يزقن هو الشيخ الحاج محمّد بن سعيد المعروف بالشيخ بالحاج، والثاني هو الشيخ محمّد بن سليمان الغرداوي، وكلا الشيخين أخذا العلم بمسجد القصبيين في جزيرة جربة عن الشيخ داود التلاتي صاحب الرسالة في خمسينات القرن 10هـ/ 16م.
– عبد العزيز: ذكره الشيخ مرّتين، في الأولى مسبوقا بكلمة الحاج وفي الثانية مسبوقا بكلمة عمّنا، ويبدو أنّه قصد بالأوّل الشيخ عبد العزيز بن يوسف المصعبي اليسجني، شارح الأربعين حديثا الودعانية في الزهد والمواعظ؛ وعنى بالثاني الشيخ عبد العزيز بن محمّد المصعبي اليسجني الذي عدّه الشيخ امحمّد بن يوسف اطفيش من أجداده، وذكره في “الرسالة الشافية” باسم محمّد بن عبد العزيز، وقال إنّه أخذ العلم عن الشيخ أبي مهدي عيسى المليكي.
– عبد الله: لم نهتد إلى التعريف به.
– موسى بن الشيخ المرحوم عمّنا سعيد: هو الشيخ موسى بن الشيخ المصلح، ورائد النهضة في مطلع العصر الحديث بوادي مزاب الشيخ أبي عثمان سعيد بن عليّ الجربي.
– محمّد بن عيسى: هو علَم من مدينة غرداية على ما يبدو، اسمه على ما أثبته في منسوخاته: محمّد بن عيسى بن منصور بن عيسى بن موسى المصعبي.
– محمّد بن منصور: لم نهتد إلى التعريف به، ويبدو أنّه من غرداية، إذ في الرواية الشعبية لدى أهل غرداية شخصية علمية واجتماعية تُدعى الشيخ بامْحَمَّد أُمَنْصورْ.
– أبو القاسم: لم نهتد إلى التعريف به.
– عمرو بن سعيـ[ـد]: هو الشيخ عمرو بن الشيخ سعيد بن عليّ الجربي، وأخ الشيخ موسى المذكور.
– محمّد الباروني: هو الشيخ محمّد بن زكرياء الباروني النفوسي، قدِم إلى مزاب ولازم حلقات الشيخ أبي مهدي عيسى المليكي، ومكث مدّة في مزاب وحضر وفاة شيخه أبي مهدي سنة 971هـ، ثمّ رجع إلى بلده في حوالي سنة 975هـ. مات رحمه الله شهيدا في سنة 997هـ/ 1589م.
الأستاذ يحي بوراس
([1]) هو الشيخ أبو سليمان داود بن إبراهيم الجربي التلاتي، تولّى المشيخة العلمية ورئاسة مجلس العزّابة بجربة في خمسينات وستينات القرن 10هـ/ 16م. جاهد بالنفس والقلم، ومات رحمه الله شهيدا، قتله طرغود -درغوث- بن علي التركي، في أوائل جمادى الأولى سنة 967هـ/ 1560م. ترك الشيخ شرحا على عقيدة التوحيد وشرحا على الآجرومية، وخلف بعده جيلا من العلماء العالمين.
Categories: ضيف الموقع, ندوة الإربعاء
Sorry, comments are closed for this item.