العلوم الشرعية تحديات الواقع وآفاق المستقبل -أ. بن سعدون المنير
إخواني، أبنائي، الأساتذة الحاضرون، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
أيّها السادة، لقد طلبتُ من السيّد الحافظ في مكتبتنا “المكتبة الثقافية”، أنْ يقدّم لنا صورة عن نشاطه في الأسبوع ما قبل الأخير من السنة الماضية 2018، في بلدنا الثاني “عُّمان”، عند جلالة السلطان قابوس المحترم؛ فليتقدّم إلى المنصّة مشكورًا.
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدّنا محمّد وآله وسلّم. شيخنا المبارك، إخوتي الحضور الأفاضل، أجدّد لكم تحيّة السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد،
أقامت كلية العلوم الشرعية، في مسقط سلطنة عمان، مؤتمرها الدولي الأول “العلوم الشرعية تحديات الواقع وآفاق المستقبل”، أيام 3-5 ربيع الثاني 1440ه/ 11-13 ديسمبر 2018م. برعاية وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ممثلة في شخص سماحة المفتي العام للسلطنة فضيلة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، الذي افتتح المؤتمر بكلمته التي أشاد فيها بدور تزكية النفس والتربية العملية – بعيدا عن التنظير- في حياة الإنسان المسلم المعاصر. ثمّ تلت الجلسات العلمية الستّة عشر، وفي الجلسة الختامية تليت التوصيات الخمسة عشر، وزعت فيها شهادات المشاركة وكتاب المؤتمر في مجلّدين ضخمين، وهي مبادرة قلّما تكون، ومن التوصيات: العمل على حفظ هوية الأمة بتعزيزها في نفوس أفرادها وتنميتها، واستثمار العملية التربوية في إصلاح النفوس وتزكيتها وتهذيب السلوك وترقية الوجدان، وتوجيه طلبة العلم إلى أنّ اقتران القول بالعمل الصالح ركن أساس في العملية التربوية، …، والوقوف على التجربة العمانية في مجال المعرفة والفكر الإسلامي.
وشاركت بورقة تمحور موضوعها المعنون بـ”فقه التربيّة من خلال كتاب تلقين الصبيان ما يلزم الإنسان “، حول دور العلماء العمانيّين في خدمة العلوم الشرعية. تناولت مؤلَّفا عمانيا جليلا، طبع في الجزائر قبل سبع وثمانين سنة (1352ه/1931م)، واتخذ مقرّرا في مدرسة الرشاد، علّق عليه ناشره تعليقات تربوية مفيدة، زادت للكتاب أهمّية، فوائد لا يستغني عنها لبيب. فهو نموذج للتواصل الفكري بين المشارقة والمغاربة، الكتاب للشيخ نور الدين أبو محمد عبد الله بن حميد السالمي، والناشر المعلّق– المحشّي – الشيخ إبراهيم بن نوح متياز رحمهم الله. فكرة البحث جديدة، فالكتاب مغمور، غير معروف لدى الباحثين الذين تناولوا فكر الشيخ السالمي، حسب اطلاع الباحث.
ترجمة المعلق الناشر: هو الشيخ إبراهيم بن نوح متياز، رحمه الله، من مشايخ بني يزقن، وهو من الأعلام المزابيّين البارزين العاملين في حقل التربية والتعليم والعمل الاجتماعي. من مواليد مدينة بني يسقن بمزاب، يوم 10 ربيع الأوّل 1302هـ/1895م، تلقَّى العلم أوَّلا عن الحاج يوسف مِوْريغْ، ثمَّ أخذ عن ابن عمِّه الحاج عيسى بن بكير، وختم القرآن الكريم عند الحاج داود بزملال وعمره ستَّة عشر عاما، ثمَّ درس عن الشيخ الحاج إسماعيل زرقون علوم العربية والشريعة، ولازمه لحوالي سبعة عشر عاما. كان يحضر دروس العامَّة التي يلقيها قطب الأئمَّة الشيخ اطفيش، ويرتاد معهده للاستفتاء.وهو يعدّ من تلاميذ الشيخ إبراهيم بن بكير حفّار. تولَّى التدريس في بلدة بنورة، عام 1924م؛ ثمَّ انتقل إلى الجزائر العاصمة سنة 1925م، وأنشأ فيها مدرسة عصرية سمّاها الرشاد، تولَّى إدارتها واشتغل بالتعليم فيها؛ ووضع لها نظاما داخليا، طبع في كتيّب.خرَّجت مدرسة الرشاد الكثير من العلماء والأعلام البارزين، منهم: الفيلسوف عبد الله كنطابلي، والشيخ بالحاج قشَّار، وعمر بن زكري امزرقط. كما استفاد منه علما، بالمكاتبة (المراسلة) كثيرون، يذكر ذلك الشيخ عمر بن داوود الوارجلاني، وأبو اليقظان إبراهيم بن عيسى حمدي. له قصيدة من سبعة وسبعين بيتا، في مدح الإمام محمد بن عبد الله الخليلي، رحمه الله، الذي توفّي في 3 رمضان 1373ه/1954م.
كان سندا لأبي اليقظان حمدي إبراهيم بن عيسى(1888م-1973م)، في العمل الصحفي؛ وعند إنشاء “المطبعة العربية”. كان عضوا نشطا في جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين، منذ تأسيسه، في 1931م، حيث تشهد له الصورة التي أخذت للاجتماع العام للجمعية، في شهر أوت 1936م، بنادي التَرَقِّي بالجزائر العاصمة، يظهر الشيخ إبراهيم متياز على المنصّة أمام المجلس الإداري الجديد، مع كلّ من السادة: حمو محمد عيسى النوري، والطيب العقبي، وعبد الرحمان بكلي.
ترأَّس ببني يسقن ” جمعيّة التوفيق “، التي يبدو الهدف منها تنميّة بلدته في جوانب ثقافية واجتماعية واقتصادية، حصلت على رخصتها يوم 25 جانفي 1947م، ثمّ أنشأت مدرسة لها سمّيّت ” العرفان “، في بداية الخمسينات. اهتمّ بالتوعيّة والإرشاد، فكان يقيم دروسا للوعظ والتفقّه في الدين للعامّة في بيته، وقد حضرتُ بعض دروسه في رمضان بداية السبعينات من القرن الماضي. له قصائد شعرية مناسباتيّة متناثرة، منها: ” الحقيقة عشيقتي وأنا عشيقها”، و” الاستقلال”، و” مثال في الخير يحتذى”، «تاريخ رجال الإباضية في الأيام الماضية»، (مخ). مخطوطان في «تاريخ وادي ميزاب».«نظام حلقة العزابة»، (مخ). ومجموعة رسائل متبادلة، إخوانيّة وعلميّة، في الفقه والعلوم والتاريخ، تعبّر عن حقبة تاريخيّة هامّة، وله اهتمام متميّز للتاريخ الإسلامي عامّة، والإباضي بخاصّة، جمعا وتأليفا وتعليقا. وفي مراسلاته ” تعرّف عام 1926م على المستشرق البولوني سْمُوغُورْفَسْكي Smogorzewski، من خلال هذه العلاقة تحصّل على كرسيّ لتدريس اللغة العربية في جامعة لْفُوفْ ببولونيا، وطُلب منه ذلك رسميا، إلاَّ أنَّ والده لم يسمح له بقبول هذا الطلب”. وكان يراسل الشيخ سالم بن محمد بن سالم الرواحي، من زنجبار. توفي، ببني يزقن، يوم الجمعة 03 ربيع الأوّل 1401ه يوافقه 09 جانفي 1981م.
كتاب تلقين الصبيان: فرغ الشيخ السالمي رحمه الله، من تأليف هذا الكتاب وسمّاه ” رسالة يسيرة “، في أوّل ربيع الأول 1318ه/ 28 يونيو 1900م، ثمّ أعاد النظر فيه بتاريخ 15 ربيع الثاني 1329ه/ 15 إبريل 1911م، فوضع على هامشه تعليقات وفوائد أخرى، أملاها على كاتبه وتلميذه: أبي الوليد سعود بن حميد بن خليْفين (ت1373ه/1953م). وسمّاه الشيخ متياز كتابا، ذلك تقديرا للشيخ وعلمه، ولما أدخل فيه من خدمات، وتثمينا لعمله هو ليكون إبداعا للمدرسة، يعطينا صورة للفكر التربوي عند الإباضيّة، بالاعتناء بالناشئة وتربيتهم، طبع تلقين الصبيان طبعات عديدة، أوّلها سنة 1344ه/1925م، بالمطبعة السلفية بمصر، بتصحيح أبي إسحاق اطفيش (ت1385ه/1965م)، تمّ توالت عدّة طبعات جاوزت 30 طبعة في: مصر والجزائر وسورية ولبنان والكويت والبحرين وعُمان، وأضيفت إلى بعضها أسئلة آخر كلّ موضوع من موضوعاتها، على هيئة تمرين يمارسه الطالب، ويعينه على استيعاب المادة العلمية، كما ترجم إلى الإنجليزية والسواحلية “. ” والكتاب نال شهرة واسعة وأهمّية كبرى في نفوس العمانيّين، فأصبح أوّل ما يدرّس في الكتاتيب من كتب الدين للأطفال، ولا يكاد يخلو بيت عماني من نسخة للكتاب.
تعليقات وإحالات تربوية في هامش الكتاب: نموذج منها في ص 2، قال السالمي في مقدّمة كتابه: «… فمن كان ينقاد بضربة واحدة امتنع ضربه… “. علّق عليه الشيخ متياز بـقوله: ” أي بأكثر من واحدة، فالنفوس في ذلك مختلفة، فمن الناس من يردعه صوت العتاب ولا يزجره الضرب والحبس، بل ربّما كان الضرب والقهر فوق اللازم سببا لنفور التلميذ عن المدرسة، ولعلّ ذلك سبب ما نشاهد من تشوّق وحبّ الأولاد للمدارس الأجنبيّة ونفورهم عن المدارس العربيّة، فالمربّي الحاذق يستطيع أن يصوّر للولد هفوته في أقبح صورة ويهوّلها له بحيث لا يستطيع أن يعود إليها؛ ولا يلجئ إلى الضرب إلاّ بعد فراغ الجهد من ذلك، فقد ينال باللطف ما لا ينال بالعنف، والهداية بيد الله ».
حافظ ودّكم: المنير عبد الحميد بن سعدون، بني يزقن يوم الثلاثاء 24 ربيع الثاني 1440ه/01 جانفي2019م.
وفيما يلي بعض الأسئلة والانطباعات:
- كتاب تلقين الصبيان أوّل كتاب قرأته -يقول فضيلة الشيخ طلاّي- عندما كنتُ تلميذا في مدرسة الشيخ بَبانو رحمه الله.
- ذكرتم «التحدّيات»، ألا ترون أنّ معظم التحدّيات صادرة من وسطنا ومن داخل الأمّة المسلمة نفسها؟
- هل من ملخّص لمحاضرتكم؟
- واقع المسلمين في واد، وما دُوِّن في الكتب ويلقى في الندوات والملتقيات يبقى مجرّد حبر على ورق.
- ما هي التوصيات التي تمخّضت عن الملتقى؟ وهل هي واقعية ممكنة التجسيد؟
- يبدو أنّ ما يصبو إليه منظّمو مثل هذه الملتقيات هو توحيد المعارف وتقريب الرؤى فيما يتّصل بالفتوى والأحكام الفقهية للمستجدّات الكثيرة في حياة الأفراد والجماعات.
- ممّا يقوم دليلا على أهميّة الكتاب طبعاته التي فاقت الثلاثين طبعة، وترجماته إلى بعض اللغات.
- ما هي المداخلة التي نالت إعجابكم؟ وماذا استفدتم من كواليس الملتقى؟
- تحدثتم عن طبعات الكتاب وترجمته، فلو ترجمته إلى الفرنسية لجاليتنا في المهجر.
- ما يخصّ الواجبات نحو الله ونحو الشخص ونحو الغير، الظاهر أنّ الواجبات درجات ومستويات، بعضها يستوجب هذا والآخر ذاك، والآخر لا هذا ولا ذاك؟
- كل ما نريده الآن هو توحيد الرؤى والآراء، وكذلك مجمع الفتوى لتوحيد الكلمة، وشكرا.
- المسلمون الآن بعيدون عن الإسلام الحقيقي مع الأسف، والنتيجة غير حسنة.
- من القواعد الفقهية أنّ المصلحة العامة تقدّم على المصلحة الخاصّة، وعلى هذا أرى الحقوق العامة تقدّم على الحقوق الخاصّة.
Categories: ندوة الإربعاء
Sorry, comments are closed for this item.