موقع الشيخ طلاي

Menu

حكاية مسجد “طانجي”

الجلسة السادسة عشرة: 19 مارس 2017م الموافق ليوم: 22 رجب 1438ه

أيّها السادة الأعزّاء، أيّها الإخوة الكرماء، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

إطلالتنا هذه الأمسيّة ستكون بحول الله من كتاب للأستاذ الأديب الملتزم الفاضل الحاج صالح بن الحاج عمر تِرِشينْ، وهو تاسع كتبه القيّمة “الأسفار المحترقة”.

الكتاب جيّد رائع، وكلّها كذلك. ولعلّ يبدو لي أنّه من أحسن كتبه؛ لأنّي عشتُ جانبًا من أعمال المتحدَّث عنه، المرحوم عمّنا بكير بن داود بَسَّخْواضْ.

نقتطفُ من هذا الكتيّب حكاية مسجد “طانجي” بالجزائر العاصمة، ويبدأ في صفحة: 38.

« كان للداي “بابا حسن” بنت رائعة، آية في الأناقة والجمال سمّاها “توبا لَميسْ”. وكانت تخرج معه في جميع الزيارات التي يقوم بها، وتشاركه في كثير من القرارات والاقتراحات، لِما كانت تمتاز به من ذكاء وحكمة وسداد رأي.

دخل عليها “فحامُ القصر” ذات يوم ليزوِّد سخّانة الحمّام كعادته بما يلزمُ من الفحم، كما أمره “الداي”؛ فأوْشك أنْ يُغمى عليه أو أن يُقطِّع يديه لِما أبصر من سحرٍ وشمَّ من عطر.

فتاة خارجة من الحمّام بثياب شفّافة لصقة، تشخّص بدقّة جسمها الرشيق، وقد أطلقت شعرها الذهبيِّ ليحاول أنْ يستُرَ ما بقي من رقبتها البلّوريّة وظهرها الوردي.

تظاهرت بالحياء والخجل، لكن أدْرك الفحّام مقصدها ونواياها، فعرض عليه مشهد السيّدة “زوليخاء” وهي تراود فتاها وتحاول أنْ توقعه في سباكها…

…لقد همّت به، لكنّه لم يهمَّ بها ولم ير برهان ربّه. ومع ذلك، أو ربّما من أجل ذلك أرادت الفتاة أن تنتقم من هذا “الحصور” الذي استعصى ولم يفعل ما أَمَرَتْه به !!!

مُسّت “لَميسْ” في كبريائها، فأعادت الكرّة، وغيّرت الأسلوب، فتظاهرت بالسقوط وبدأت تصرخ بكلّ ما أوتيت من قوّة، “مستنجدة” لعلّ قلب “الفحّام” يَلِين!

سمع “الداي” صراخ ابنته، فهرع مع حرّاسه إلى المكان، فوجد ابنته مُلْقاة على الأرض، والفحّام يستبق الباب… مع ظلّه، يحاول أن يفلت من قبضة الحرّاس الذين كانوا في المدخل…

…سمعت “لَميسْ” بإعدام الفحّام، الشهيد المزابي البريء؛ فانقلبت أحوالها: مرض مزمن، قبح بعد جمال، بُكم بعد طلاقة لسان، بَلادة بعد حكمة، وحماقة !

اعتكفت في بيتها لعدّة سنوات دون أن ترى النور، نور الشمس أو نور الأمل وشفاء وفرج.

في إحدى الليالي المظلمة، رأت في المنام شخصا وسيما يشبه “الفحّام” يرتدي عباءة بيضاء وطاقية ذهبيّة جالسا بين فتاتين حسناويْن، وهم يتناولون كؤوسا من معين وفاكهة كثيرة، متّكئين على الأرائك، aيضحكون ويرمون “لَميس” بلآلئ تنقلب فجأة إلى أحجار من سجّيل تحرق وجهها.

استقظت “لَميس” في فزع وهلع، فأرادت أنْ تستفسر عن هذه الرؤيا المؤلمة، فقيل لها:

اطلبي العفوَ وسامحي أهل هذا “الفحّام” المزابي المظلوم، ثمّ قدِّمي صدقة جارية علّها تكون لكِ سِترا وحجابا بينك وبين نيران وجحيم الآخرة.

استعانت بوالدها، فاختارت أرضا وقدّمتها هِبةً لأهل “الفحّام” الذين تبرّعوا بها للجماعة لبناء مسجد، سيكون مركز إشعاع للمسلمين، ووسيلة لجمع الشمل والمحافظة على الأصالة والاستقامة.

بعد استيراد الرخام من تركيا والأعمدة من إيطاليا، بُني المسجد الذي أخذ اسم الشارع الذي يأويه «مسجد طانجي» أو «طانجة». فأصبح قبلة للمسلمين، وملتقى يوحّد بين المسلمين ولا يفرّق بينهم. تُبثّ فيه دروس ومواعظ تحثّهم على التسامح والتآخي ونشر الفضيلة وإصلاح ذات البين وعدم التعصّب والتنازع.

أَقْتَرِحُ عليك يا أخي الكبير أنْ تقصّ هذه المعلومة الهامّة والتاريخيّة على أستاذنا الفاضل الشيخ حمّو فخّار؛ فمكانته العالية ودوره الاستراتيجي في إصلاح المجتمع يؤهّله لتنوير وإبراز معالمه النيّرة…».

وفيما يلي مجموعة من آراء وأسئلة الحاضرين في الجلسة:

  • يلاحظ في القصّة خيال، وهي تذكّرنا بإحدى قصص ألف ليلة وليلة؟
  • القصّة طريفة، وهي تطرح إشكاليّة البحث عن النصوص التاريخية التي توثّق لها.
  • ما مدلول سنة 1682م الذي اقترن بالعنوان داخل الكتاب؟

وددنا لو خصّص فضيلة الشيخ بارك الله فيه جلسة لإبراز بعض أعمال المترجَم له.

Categories:   ندوة الإربعاء

Comments

Sorry, comments are closed for this item.