موقع الشيخ طلاي

Menu

أرض العالية

الجلسة السابعة عشر: 26 أفريل 2017م الموافق ليوم: 29 رجب 1438هـ

أيّها الأحبّة، أيّها السادة المحترمون، عشّاق المعرفة، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

جلستنا في هذه الأمسية ستكون تبعا للجلسة الماضية رقم 16. تكون حديثا عن أرض العالية في الحرّاش من مجهودات الدرع الذهبيّ، من أعمال الأستاذ ترشين صالح بن عمر، من مسلسل الأسفار المحترقة، الحلقة التاسعة.

يقول الأستاذ -حفظه الله وجزاه الله عنّا وعن تاريخنا وهُويّتنا المزابية خير الجزاء- في صفحة 98:

« أرض العالية.

قسّم الحاكمُ الفرنسي قطعة أرض مساحتها 78 هكتار بناحية “العالية” بضاحية مدينة الحرّاش (la maison carrée) على الملل الثلاثة الموجودة آنذاك في الجزائر قبيل الاستقلال: مسلمون، مسيحيون ويهود. هذه الأرض الشاسعة كانت هِبة من طرف السيّدة “العالية حمزة” كما ذكّر بذلك الحاكم.

حضر القسمة الرجل الصنديد “المرحوم قضّي عيسى” والد الشهيد قضّي بكير، فقال وبكلّ جسارة واعتزاز:

  • سيّدي الحاكم، أين نصيب المزابيين من هذه القسمة؟
  • أنتم ضمن نصيب “المسلمين”.
  • نعم، ولكن نظرا لخصوصيتنا وأدوارنا الأساسية في بناء وطننا العزيز والمحافظة على القيَم السامية والأخلاق الراقية، نريد أنْ تُفردنا بجزء خاصّ بنا !

لستُ أدري، هل جُرأة “عيسى” هي التي أثّرت في الحكام أم هو التوفيق الإلهي الذي كان ولا يزال وسيبقى إن شاء الله حليف هذه الأمّة [ما استقامت على أمر الله].

اقتطع الحكام أربع هكتارات، وكتبها رسميا “لبني مزاب”؛ فكتبت باسم الشيخ “بن يوسف سليمان بن الحاج داود”، أحد أمناء المزابيين بالعاصمة آنذاك.

الشيخ سليمان كان تاجرا، وكانت له بقّالة بمدينة الحرّاش نهج “إسكندر” (Alexandre).

التجارة كغيرها من المهن الأخرى، تبتسم للبعض وتكون عسرة على البعض الآخر، فهي ابتلاء وسُنّة من سنن الله الخالدة.

عرفت تجارة الشيخ سليمان تقهقرا فاحشا، أدّى به إلى رهن أحد أملاكه لدى البنك المسمّاة “القرض العقاري الجزائري-التونسي” (C.F.A.T.) ليسدّ عجزه المالي.a

اختار من بين “أملاكه” رهن أرض “العالية” التي هي للمزابيين، والتي سُجّلت باسمه قصد إتمام الصيغة القانونية للشراء.

في سنة 1962 وبعد الاستقلال، تمّ تأميم البنوك، فانتقلت هذه الأرض إلى مصالح الأموال السائبة (les biens-vacants)، فحوّلتها بلديّة الحرّاش إلى مشتلة لزرع الأشجار.

استدعى الحاج بكير مكتبَه بصفته رئيسا للجماعة، فاقترح عليهم لجنة خاصّة ستتكفّل باسترجاع هذه الأرض قبل أنْ تضيع نهائيا.

ذكّر الحاضرين بموقعها الاستراتيجي، وبالنسور التي تحاول أنْ تمدّ مخالبها للاستيلاء عليها.

تشكّلت لجنة مصغّرة تضمّ كلاّ من السادة: محمّد بابا، تَعْموتْ عيسى، تِرِشينْ إسماعيل وبَسَّخْواضْ الحاج بكير رئيسا لها.

بدأت اللجنة بمحاولة إقناع الشيخ سليمان على التخلّي عن الأرض وإرجاعها إلى الجماعة.

بعد مدّ وجزر، اتّفق الطرفان على ما يلي:

  • ترجع الأرض إلى الجماعة.
  • يدفع مبلغ مالي للشيخ.
  • تُسجّل رسميا لدى قاضي المحكمة الإباضية الأستاذ “عبد الجبّار”.
  • تُصحّح الوثائق رسميا لدى مصالح بلدية الحرّاش، وهذا بعد التوصّل إلى حلّ توافقي وتفاهم مبدئي وتحويل المشتلة إلى موضع آخر.

لم يكن ذلك من السهل بمكان، فقد قامت اللجنة بعدّة اتّصالات وجولات وتدخّلات -في إطار شرعيّ- وسهرات للوصول إلى الهدف المنشود، كما كان للسيّد سعيد عمر الرياضي الشهير في المصارعة اليابانية “الجيدو” والموظّف في بلدية الحرّاش دور لا يُستهان به في إنجاح القضية.

إخواني الأعزّاء، ها قد وفّقنا المولى U، وسخّر لنا السبيل وذلّل لنا الصعاب فاسترجعنا “رزقنا” والحمد لله، لكن لا ينبغي أن نترك الأرض مهملة أو غير محصّنة، فقد توقظ أطماعا أو ردّ فعل من طرف كثير من “الجهات”، لذا يجب السرعة في تحويطها، وفي أقرب الآجال.

بناءُ سور واقٍ يحيط بقطعة أرض مساحتها 4 هكتارات في زمن قياسي ليس من السهل ولا من الأمر الهيّن، لكن “الحاج بكير” لا توقفه الصعوبات والتحدّيات، بل يعشقها ويذلّلها ويقتحمها ناجحا بتوفيق من الله.

تزامن ذلك مع إعادة رفات “الأمير عبد القادر” ودفنها في مربّع الشهداء، سنة 1966.

أشرف الرئيس هواري بومدين على مراسيم الدفن، فلاحظ قطعة أرض محوّطة وبإتقان وفنّ بجانب “المقبرة الرسمية”، فسأل ذراعه الأيمن السيّد عبد المجيد اعْلاهم:

  • لمن هذا المشروع الذي حدث في هذه الآونة فقط؟
  • إنّها أرض لبني مزاب، وهي مقبرة لأمواتهم.
  • هل يمكن ضمّها للمقبرة الرسمية؟
  • على أيّ أساس سيّدي الرئيس؟
  • سيدفنون في المقبرة الرسمية، ثمّ لاحظ أنّهم يصرّون على نقل موتاهم -رغم المخاطر- إلى مسقط رأسهم بمزاب.
  • نعم، لكن سيّدي الرئيس، هل ستمنح لهم رخصة الدفن هنا؟
  • ولِمَ لا؟
  • لستُ أدري ولست متأكّدا سيّدي الرئيس، فأنتم أدرى منّي بقصّة…
  • دعنا من ذلك، فهي من الماضي.
  • لكنّها لا تزال في الأذهان سيّدي الرئيس، أظنّ أنّ هذه الفئة خاصّة نوعا مّا، فنترك لها خصوصيتها وتقاليدها ومدارسها الحرّة وعشائرها… المهمّ أنّها “لا تزعجنا”.
  • فليكن فليكن…شـ…
  • سيّدي الرئيس، الإمام ينتظر منكم الإذن ليشرع في الصلاة..

 وفيما يلي مجموعة من آراء وأسئلة الحاضرين في الجلسة:

  • هل يجوز التبرّع من المسلم إلى غير المسلم ؟
  • هل يوجد تفكير جدّي للمحافظة على هذا الإرث؟ ولا شكّ أنّ للتنسيقيات في مدن التلّ الدور الكبير في مثل هذه المهمّة الثقيلة.
  • أليس من المنغِّصات وممّا يقضّ المضاجع أنْ تكون أملاك الوقف من حين لآخر عرضة لمزاج ونزوات بعض المسئولين؟
  • ما هو المصدر الذي نُقل عنه الحوار الذي دار بين اعْلاهم والرئيس؟
  • أوّل من دُفن بمقبرة العالية السيّد الحاج ناصر حاجي محاسب في الجزائر.

ما هو تاريخ أرض سيدي بَنّورْ من فضلكم؟

Categories:   ندوة الإربعاء

Comments

Sorry, comments are closed for this item.